كانتونات وتجمعات معزولة عن بعضها بعضا دون أي تواصل جغرافي بينهم، وإجراءات حصار غير مسبوقة، وجدار فصل عنصري، مشهد ما زال الفلسطينيون يعيشونه في أرضهم المحتلة، مع حلول الذكرى الـ72 لـ"قرار التقسيم" الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1947، وحمل رقم (181).
المختص بشؤون القدس د. جمال عمرو، يوضح أن القدس المحتلة أصبحت بلا محيط يساندها بعد إغلاق الاحتلال الإسرائيلي جميع مداخلها وحدودها بجدار الفصل العنصري، وحصار الأحياء المقدسية ومنها بلدة العيساوية التي تعيش نكبة جديدة من حيث الاعتقالات وهدم المتاجر ومصادرة الأراضي.
وأضاف عمرو لصحيفة "فلسطين"، أن البلدة القديمة، قلب القدس، لم تعد لها الصفة التاريخية القديمة، فالاحتلال شوهها بتسكين آلاف المستوطنين فيها، وتنغيص الحياة على أهلها الأصليين البالغ عددهم قرابة 33 ألف مقدسي، فيما عدد المستوطنين وصل قرابة الـ10 آلاف، عدا عن صفقات تسريب ممتلكات المواطنين في كل أرجاء القدس.
ومع تهديد الاحتلال لأكثر من 20 ألف بيت مقدسي بالهدم، يواصل منع تواصل القدس مع محيطها الفلسطيني، وفي المقابل ينفذ مخططات لضم مستوطنات قريبة من المدينة المحتلة إليها ضمن مشاريع استراتيجية تدمج المستوطنات بالقدس وبالمدن الإسرائيلية مثل (تل أبيب) بمشاريع مواصلاتية كسكة الحديد وتوسيع مخططات هيكلية، وفق عمرو.
وفي مدن الضفة الغربية المحتلة، تحل ذكرى "قرار التقسيم" على المواطنين وهم في تجمعات أصبحت كالسجون بل أشد قسوة، ففي "عرب الرماضين الجنوبي" جنوب قلقيلية، يعيش أكثر من 300 مواطن في كانتون معزول بين بوابة وجدار مستوطنة.
يقول المختار أشرف شعور، إن عرب الرماضين الجنوبي، متواجدون في المكان قبل احتلال الضفة الغربية "فنحن هنا بعد النكبة وقرار التقسيم، ووجودنا يحفظ 2000 دونم من المصادرة، والاحتلال عرض علينا الانتقال من المكان مقابل إغراءات ورفضناها كلها، فكان العزل والحصار والحياة مع تفتيش دائم للصغير والكبير".
وأضاف شعور لـ"فلسطين"، أنهم يعيشون مع بوابة إلكترونية في كل عملية خروج ودخول إلى بيوتهم، مردفا "حياتنا ضمن بوابة عنصرية، نعيش حياة بدائية بلا كهرباء ولا مياه، ودون السماح لنا ببناء مدرسة، فمظاهر الاستيطان والتشتيت التي ينتهجها الاحتلال ضدنا تنغص كل حياتنا".
مربع أمني ومعاملة عنصرية
أما قدر جخاذبة، مختار "عرب الرماضين الشمالي" شرق قلقيلية، يقول: "عددنا قرابة 250 مواطنا، نعيش بين بوابة عنصرية وشارع التفافي ومقر ارتباط عسكري، في مربع أمني بين مستوطنين وجنود الاحتلال".
ولفت جخاذبة لـ"فلسطين"، إلى أن ذكرى "قرار التقسيم" يحل علينا ونحن في سجن لا يطاق، فالاحتلال يمنعنا من وضع لوح من "الزينكو" لبيوتنا، وكل ذلك "للضغط علينا وإجبارنا على ترك المكان"، مردفا "أصبح لدينا جيل وُلد مع واقع البوابة والجدار، حيث سيعيشون حياتهم محاصرين لا يعرفون من الحياة إلا البوابة والتفتيش".
وفي بلدة عزون شرق قلقيلية، يقول الناشط حسن شبيطة، إن مع ذكرى "قرار التقسيم"، ما زال 11 ألف مواطن يعيشون بين ست بوابات أمنية وزراعية وأبراج عسكرية واقتحامات يومية وإغلاقات متكررة واعتقالات، وتهديد بالقتل، وترهيب للأطفال، بشكل فيه انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، عدا عن تهديد بهدم بيوت أقيمت في مناطق يصنفها الاحتلال بمناطق (ج).
وفي الأغوار التي تمثل الحدود الشرقية لدولة فلسطين العتيدة، يشن الاحتلال حرباً بلا هوادة على الوجود الفلسطيني؛ لطرد وترحيل أهلها منها.
الناشط الحقوقي عارف دراغمة، يقول إن الصورة القاتمة في الأغوار أدواتها دبابة وقذيفة ومستوطن وجيبات بيضاء تلاحق المزارعين، ويافطات ما يسمى بـ"سلطة الطبيعة" الإسرائيلية التي تمنع أصحاب الأرض من زراعتها وفلاحتها والاستفادة منها، عدا عن التدريبات العسكرية بالقرب من تجمعات المواطنين ومنازلهم، حيث تهتز أركانها البسيطة من جنازير الدبابات والقذائف التي تطلق في المكان، فأهل الأغوار في مواجهة دائمة.
في المقابل، يشير دراغمة لـ"فلسطين"، إلى أن المستوطن في المكان يستغل الأرض والمياه، ويُحرم منها صاحب الأرض، ويكون الانتقام في موسم الحصيدة للمزروعات البعلية، حيث تكون التدريبات في أوجها وتذهب المزروعات بين جنازير الدبابات وعجلات الجيبات العسكرية واعتداءات المستوطنين عليها بالرعي الجائر وحرقها في كثير من الأحيان.
عذابات يومية متواصلة
ويرى الناشط بشار القريوتي، في "قرار التقسيم" ذكرى أليمة لعذابات يومية متواصلة يعيشها أهالي قريوت والقرى المجاورة قضاء نابلس، وصلت إلى منعهم من الوصول إلى أراضيهم الواقعة في مناطق مصنفة (ب)، بعد تعديل الاحتلال لخرائط الأراضي المصنفة (ج).
ويقول القريوتي لـ"فلسطين"، إن المستوطنات في الضفة الغربية أصبحت دولة بكل مقوماتها، وفي المقابل التجمعات الفلسطينية سجون معزولة، والذي زاد الطين بلة تغيير الخرائط لتصبح الأراضي المصنفة (ب) أراضي مصنفة (ج)، بناء على رغبة الاحتلال، ما يعني أنه سيتم هدم منازل كثيرة مع هذا التعديل العنصري، كما حدث مع منزل في بلدة عصيرة الشمالية قضاء نابلس، بزعم أنه بني في مناطق (ج) التابعة بشكل كامل لسلطات الاحتلال أمنيا وإداريا.
ويضيف أن كل التجمعات الفلسطينية لا تتواصل فيما بينها، وتقطعها المستوطنات والطرق الالتفافية وأسيجة المستوطنات الأمنية.