فلسطين أون لاين

تقرير لَمَّا رأَوا الكرامة.. فما يَسُرُّهُمْ أن يعودوا إلا ليستشهدوا

...
غزة/ أسماء صرصور:

إن أكبر كرامة من الممكن أن يمن الله بها على كل مسلم، هي الاستقامة، كما قال ابن تيمية رحمه الله "الاستقامة هي أكبر كرامة"، ودليل ذلك قوله عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ"، وفي صحيح مسلم جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا، لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: ((قل: آمنتُ بالله، ثم استقم)).

ما علاقة هذا بكرامات الشهداء وصبر ذويهم؟ المحاضر في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية د. وائل الزرد يفصّل القضية في حديثه لصحيفة "فلسطين" اليومية في السياق الآتي:

ويقول الزرد: "الشهادة محض اصطفاء من الله جل وعلا، فالله تعالى أخبرنا في القرآن أنه يتخذ منا شهداء "وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ"، فالله يختار ما يشاء ويجتبي".

ويشير إلى أنه كم تعرض للشهادة كثير من الصالحين الأوائل، وكثير من الطالحين في زماننا، وسيتعرض لها كثير من الطالحين في قادم الأيام، مستدركًا: "غير أن الله تبارك وتعالى يختار ما يشاء، ويصطفي ما يشاء، ويمن على من يشاء".

وفي هذا الميدان دائمًا –كما يقول- نتذكر خالدًا رضي الله عنه "سيف الله المسلول" يوم أن كان مقدامًا شجاعًا بطلًا مغوارًا ما خاض معركة إلا انتصر فيها، وما من موضع في جسمه إلا به ضربة بسيف أو طعنة برمح أو غرزة بخنجر، ثم مات في فراشه ولم يمت في معركة فقال: "فلا نامت أعين الجبناء".

ويوضح الزرد أن الله عندما يصطفي شهيدًا فهذه نعمة كبرى أن يصطفي فلانًا أو علانًا، حيث اصطفاه بعد الإيمان والعمل الصالح شهيدًا، مدللًا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الله إذا أحب عبدًا عسّله" قيل "وما عسله يا رسول الله"، قال "ييسر له عملًا صالحًا ثم يقبضه عليه" وما أجمل أن يقبض العبد على شهادة في سبيل الله، ويقول تعالى: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".

يتابع: "كذلك مما يكرم به الشهيد على خلاف المؤمن إن لقي الله ميتًا، فالمؤمن حين يموت يغسل ثم يكفن ثم يصلى عليه ويدفن، وأما الشهيد فمن كرامة الله له أنه لا يغسّل بل يبقى مصبوغًا بدمه وأنه لا يكفن بل يبقى بثياب جهاده وقتاله".

ويضيف: "وأنه -ربما- لا يصلى عليه لظرف أو لآخر، فهو كما قال الأحناف "يشفع لغيره ولا يشفع غيره له""، مبينًا أن كل هذا من الكرامات البينات للمؤمن المجاهد في سبيل الله في الدنيا قبل الآخرة، أما في الآخرة ففي جنات ونهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، وأرواح المجاهدين الشهداء في حواصل طير خضر يسرحون في الجنة، حيث شاؤوا ثم يعودون لقناديل معلقة في العرش.

وبسؤاله عن: "كيف تكون الكرامات صبرًا لذويهم؟"، يجيب المحاضر في الكلية الجامعية: "أبناؤنا فلذات أكبادنا ومهج عيوننا لا يمكن أن نتخلى عنهم بسهولة، ولا يمكن أن يضحي أحد بأبنائه فرحًا مسرورًا إلا إذا كان ذلك في سبيل الله، فأبناؤنا غالون علينا، ونحزن دون شك لفراقهم، وتذرف دموعنا عندما يفارقنا غالٍ عزيز علينا".

ويستدرك: "ولكن -يا معشر الآباء والأمهات يا معشر الزوجات والأبناء والبنات- إن ما يواسينا عندما نفقد رجلًا شهيدًا شهمًا مغوارًا، أو امرأة كريمة، أو عزيزًا على قلوبنا، هو إدراكنا تمامًا أن ما عند الله خير وأبقى، وأن ما عند الله خير لهؤلاء من الأولى".

ويذكر الزرد ما حدث في غزوة مؤتة يوم أن جاء خبر القادة الثلاثة الذين استشهدوا في المعركة، فكان التعليق النبوي يواسينا الآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، حين خَطَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عبدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ عن غيرِ إمْرَةٍ فَفُتِحَ له، وقالَ: ما يَسُرُّنَا أنَّهُمْ عِنْدَنَا قالَ أَيُّوبُ أَوْ قالَ: ما يَسُرُّهُمْ أنَّهُمْ عِنْدَنَا وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.

ويفصّل أكثر أن الشهداء عندما ينتقلون إلى الله عز وجل، هم انتقلوا إلى فرح ليس معه حزن، وإلى صحة ليس معها مرض، وإلى شباب ليس معه هرم، وأما نحن فليس لنا إلا أن نتحلى بالصبر، وألا نلطم خدًا ولا نشق جيبًا ولا ندعو بدعوة الجاهلية، وأن نمتثل قول الله عز وجل "الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".