"إلى كل صاحب ضمير حي، أنا أعيش في ساعاتي وأيامي الأخيرة، أريد أن أكون في أيامي وساعاتي الأخيرة إلى جانب والدتي وبجانب أحبائي من أهلي، وأريد أن أفارق الحياة وأنا في أحضانها، ولا أريد أن أفارق الحياة وأنا مكبل اليدين والقدمين، وأمام سجان يعشق الموت ويتغذى، ويتلذذ على آلامنا ومعاناتنا."
هذه كانت وصية الشهيد الأسير سامي أبو دياك، فجريمة حرب جديدة يرتكبها الاحتلال، يندى لها جبين الإنسانية؛ وشهيد تلو شهيد، حيث أتى دور الشهيد الأسير البطل، الأسير المريض سامي أبو دياك، دون أن يرف جفن الاحتلال، ليخرج على الأكتاف التي تهتف له شهيدا وليس اسيرا محررا.
كان صباح يوم الثلاثاء 26\11\2019 صعبا جدا، على الاسير ابو دياك، حيث ارتقى شهيدا داخل سجون الاحتلال، فيما شهدت السجون حالة من التوتر، لكنه ارتاح من ألم السجن والسجان، والم وعذاب مرض السرطان.
زاده جمالا وطيبا؛ أن يجمع بين الشهادة والأسر معا؛ فالشهيد ابو دياك عرف عنه انه كان يرفض مقاومة الشموع والدموع، والاستسلام للأمر الواقع السيئ، والتغيير لا يحصل مجانا وبلا ثمن.
باستشهاد الاسير ابو دياك، يرتفع عدد شهداء الحركة الوطنية الأسيرة منذ عام 1967م، إلى 222 شهيداً، من بينهم (67) أسيراً قتلوا عبر سياسة الإهمال الطبي المتعمد، والذي يخشى ان يحصد المزيد من الاسرى المرضى.
الموت ببطء للأسرى الاحياء يجري في سجون الاحتلال فكيف بالأسرى المرضى، فالموت يكون عبر حرمان الأسير من العلاج أو المماطلة في تقديمه، والكشف المتأخر عن المرض، بسبب المماطلة في إجراء الفحوص الطبية والنقل إلى المستشفيات، وهو ما حصل مع الاسير ابو دياك، والذي تعرض لأخطاء طبية ايضا.
ما اسهل الموت في السجون، فالعشرات من الأسرى ينتظرون منذ سنوات إجراء عمليات جراحية لهم، وبعضهم وصل إلى مرحلة يصعب فيها تقديم العلاج له، عدا عن ظروف الأسر التي لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية للأسرى، والتي تسببت بإصابة المئات من الأسرى بأمراض مختلفة.
لم تفلح جهود هيئة شؤون الأسرى والمحررين، للإفراج عنه رغم خطورة حالته، حيث كانت قد قدمت التماسا للإفراج عنه، نتيجة تدهور حالته الصحية بشكل خطير وحرج، بعد أن تعرض لإهمال طبي متعمد وممنهج من قبل إدارة السجون أوصلته لحافة الموت ونال الشهادة ليكشف ويفضح الاحتلال مرة تلو اخرى.
بعد استشهاد الاسير بسام السايح الذي استشهد قبل ابو دياك يكون عدد الشهداء الذين قتلهم الاحتلال منذ مطلع العام الجاري 2019، خمسة شهداء، وهم: فارس بارود، وعمر عوني يونس، ونصار طقاطقة والسايح وابو دياك.
حكاية صعبة للشهيد ابو دياك، فمنذ عام 2015 تعرض أبو دياك لخطأ طبي عقب خضوعه لعملية جراحية في مستشفى "سوروكا" "الإسرائيلي"، حيث تم استئصال جزء من أمعائه، وأُصيب جرّاء نقله المتكرر عبر ما تسمى بعربة "البوسطة" - التي تُمثل للأسرى رحلة عذاب أخرى- بتسمم في جسده وفشل كلوي ورئوي، وعقب ذلك خضع لثلاث عمليات جراحية، وبقي تحت تأثير المخدر لمدة شهر موصولاً بأجهزة التنفس الاصطناعي، إلى أن ثبت لاحقاً إصابته بالسرطان، وبقي يقاوم السرطان والسّجان إلى أن ارتقى شهيدا بعد (17) عامًا من الاعتقال المتواصل.
الأسير الشهيد سامي أبو دياك من سكان بلدة سيلة الظهر في مدينة جنين ومعتقل منذ تاريخ 17 تموز/ يوليو 2002، والذي يبلغ من العمر 37 عاماً ومحكوم عليه بالسجن المؤبد لثلاث مرات وثلاثين عاماً، أمضى منها 17عاماً
لمن لم يجرب المرض داخل الأسر، فإن الأسير حين يمرض تتلكأ إدارة السجون في علاجه، وتبتزه وتضغط عليه، وعندها يصبح السجن مجرد نزهة للأسير المريض، ويموت ويتعذب في الساعة ألف مرة، والزمن يتوقف عندها بالنسبة له، وينسى الأسير حريته تحت ضغط وجع وألم المرض الذي هو بلا علاج في السجون.
الشهيد أبو دياك فارق الأهل والأحبة، ولكنه أوقف الدم في عروقنا، مطالبا بالصعود درجة فوق عادة الشجب والاستنكار، الذي لا يزعج الاحتلال في العادة، وحاثا كل حر وشريف أن يتحرك، ولو بأضعف الإيمان.
الأسرى الذين عاشروا الشهيد الأسير ابو دياك، أشاروا إلى انه كان مثالاً للأسير المعطاء، والأخلاق العالية، وتقليم وقطع أسباب الخلاف بين الأسرى، وان الجميع أحبه لدماثة أخلاقه وسموها.
كشفت حالة استشهاد ابو دياك مرة أخرى؛ توحد المشاعر والهم الفلسطيني المشترك بالنسبة للأسرى، وما يفرق الشعب الفلسطيني هو الاحتلال، وما يجمعه كثير وكثير جدا؛ ومن هنا فإن مواصلة الانقسام؛ هو أمر يخجل كل حر وشريف من مواصلته، وحانت ساعة دفنه، فهل من مجيب هذه المرة يا ترى؟!