قبل الحديث عن سيناريوهات المشهد الانتخابي لا بد من الإجابة على ثلاثة تساؤلات وهي: هل ستجرى الانتخابات قريباً..؟ وهل سترد حماس بشكل مكتوب على رسالة الرئيس عباس...؟ وهل ستنقل حماس في ردها تساؤلات أجمع عليها معظم المراقبين وتمثل مطبات في طريق الانتخابات..؟ بعد الإجابة على هذه التساؤلات المهمة نكون على موعد مع استشراف سيناريوهات المشهد الانتخابي.
فلسطين على موعد مع الانتخابات، وافقت حماس أم رفضت، ولكن تقديراتي التي ذكرتها في مقالات سابقة أن الرئيس عباس سيكسب معركة عض الأصابع وسيدفع حماس للقول لا، وتجرى الانتخابات دونها، وضمن هذا السيناريو أعتقد أن إسرائيل لن تعرقل الانتخابات بالقدس، وستكون زاوية الرؤية الاسرائيلية للفلسطينيين داخل القدس، تحاكي نماذج تصويت الجاليات في الخارج، وسترى السلطة في ذلك إنجازاً سياسياً يؤكد على عروبة القدس.
قد يسأل البعض من أين أتيت بكل هذه الثقة...؟
أجيب، أن الرئيس محمود عباس أمام استحقاق كبير في سبتمبر المقبل وهو تقديم طلب منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الجمعية العامة، وهذا الطلب سيحول إلى المكتب القانوني في الأمم المتحدة للبت فيه، وعند متابعة بنية النظام السياسي وغياب المجلس التشريعي بعد حله من المحكمة الدستورية يوم 12/12/2018م وإمهال الرئيس ستة أشهر لإجراء انتخابات تشريعية، فهذا يكفي لرفض الطلب الفلسطيني، يضاف إلى ذلك أن شرعية الرئيس عباس انتهت دستورياً منذ 2009م، وفي معظم زياراته الخارجية يتم التطرق لهذه المسألة ما يسبب له إزعاجاً وضغطاً كبيراً، قد يصل مستقبلاً للتأثير على مصادر التمويل للسلطة الفلسطينية.
السؤال الثاني يتحدث عن الرد المكتوب لحماس، فقد أعلنت الحركة موافقتها على أن تكتب ردها وتسلمه للسيد حنا ناصر، وأعتقد أنه خلال الأسبوع الجاري سيستلم ناصر هذه الوثيقة التي ينتظرها الرئيس عباس، يا ترى لماذا ينتظرها...؟
خلال الأسابيع الماضية كان مسرح الحديث عن الانتخابات مستمد من عملية عض أصابع بين فتح وحماس، والشاطر الذي يدفع الآخر ليقول كفى، أي لا، وهذا الرد من وجهة نظري قد يجد الرئيس عباس ضالته ليدعي أن حماس قالت لا، لأني لا أعتقد أن رد حماس سيخلو من سلسلة تساؤلات وتحفظات لن يقبلها الرئيس عباس، وأهمها:
- مرجعية الانتخابات القانونية لاسيما المادة 45 فيه.
- سطوة المحكمة الدستورية على المجلس التشريعي.
- البيئة الانتخابية ومسألة الحريات العامة والخاصة في كافة الأراضي الفلسطينية، ووقف الاعتقالات وإعادة المنابر الإعلامية التي صدر قرارات قضائية بإغلاقها.
- القضاء الذي سيلجأ إليه الطرفان للاحتكام، وكيفية التوافق على تعيين قضاته.
- الانتخابات في القدس.
تقديري أن الرئيس عباس سيصر على المرجعية القانونية لاسيما قانون الانتخابات 1/2007 وبذلك سندخل في دائرة جدل جديد قد ينتهي بأن يصدر الرئيس عباس من طرفه مرسوماً رئاسياً يحدد موعد الانتخابات كأمر واقع وافقت حماس أم لم توافق.
وفق القراءة السابقة فإن من وجهة نظري أن المشهد الانتخابي لن يخرج عن السيناريوهات الخمس التالية:
الأول: انتخابات تشريعية دون حماس.
من وجهة نظري أن هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً، ويتمثل في رفض الرئيس عباس لرد حماس وإصدار مرسوم رئاسي يحدد موعد الانتخابات، وضمن هذا السيناريو تسمح حماس بإجراء الانتخابات في غزة، وربما تقاطعها ترشيحاً وتسمح لعناصرها التصويت لصالح قائمة تشكل تكنوقراط مقربين من حماس ومن مكونات وطنية أخرى.
الثاني: انتخابات تشريعية بمشاركة وطنية واسعة وعلى رأسها فتح وحماس.
هذا هو حلم كل فلسطيني أن يتم تجاوز كل المطبات التي تعترض الانتخابات والتي إجراؤها يشكل مخرجاً من حالة الانقسام، وتوحيد النظام السياسي، وبما أن هذا السيناريو يشكل تهديداً لدولة الاحتلال فإن فرص إسرائيل في افشال الانتخابات بالقدس محتملة، وضمن هذا السيناريو فإن العملية الانتخابية ستكون أشبه بمعركة سياسية وقانونية مع دولة الاحتلال، وقد يحمل مع هذا السيناريو أفكارا عديدة منها مثلاً القائمة الوطنية المشتركة لتجاوز حالة الاستقطاب بين فتح وحماس، وتسهيل مهمة تشكيل حكومة وحدة وطنية، ومواجهة التحديات، أو منافسة قوية بين الفصائل والمستقلين، في ظل نسبة حسم واحد ونصف بالمائة.
الثالث: إفشال (إسرائيل) للانتخابات.
القرار الإسرائيلي تجاه الانتخابات في القدس سينطلق ضمن محددين هما:
إن كانت الانتخابات توحد النظام السياسي وتمنح الفلسطينيين قوة لمواجهة التحديات فإن قرار منع إجراء الانتخابات في القدس سيكون الأكثر ترجيحاً.
إن كانت الانتخابات تعزز الانقسام والانفصال سأرجح أن إسرائيل ستبحث عن طريقة تشكل مدخلاً لإجراء الانتخابات في القدس كما تحدثنا في المقال.
الرابع: مقاطعة حماس للانتخابات.
قد تذهب حماس لمقاطعة العملية الانتخابية في قطاع غزة، وتمنع إجراءها لأي من الأسباب، ووفق هذا السيناريو ستكون حماس المتضرر الأكبر وعباس الكاسب الأكبر.
الخامس: بقاء الوضع على ما هو عليه قبل الحديث عن الانتخابات.
قد تؤثر مدخلات مختلفة مثل عدم جهوزية حركة فتح للانتخابات، أو عدم قدرة السلطة على دفع (إسرائيل) للسماح للمقدسيين بالترشح والانتخابات كما كان في السابق، أو مقاطعة حماس الانتخابات ما يدفع الرئيس عباس إلى إعادة النظر في العملية الانتخابية وإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه ويكون بذلك حقق هدفين هما:
أفشل مبادرة الفصائل الثمانية.
قدم مبرراً للمجتمع الدولي الذي يطالبه بالانتخابات حول تعقيدات المشهد من كل الجوانب.
الخلاصة: الانتخابات حق لشعبنا الفلسطيني، وعلى الجميع العمل على إنجازها وفقاً لتطلعات شعبنا الوطنية، لا مصالح حزبية أو فئوية، فالتحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية كبيرة وتتطلب من الجميع التحلي بالمسئولية.