تشهد المنطقة في الأسابيع الأخيرة توترات أمنية وعسكرية متلاحقة، إسرائيل طرفها الأول، وبعض دول المنطقة وقواها الحية من جهة أخرى، سواء جاء هذا التوتر بينهما مباشرة، أو من خلال الحلفاء والأذرع المنتشرة في المنطقة، في ظل ما تحياه دول المنطقة من أزمات داخلية، قد تدفعها لتصدير أزماتها للخارج.
(إسرائيل) ليست بعيدة عن التوترات الداخلية، وإن بقيت في إطار الخلافات الحزبية والأزمة الدستورية مع تعطل تشكيل حكومة جديدة، وإمكانية ذهاب الدولة لدورة انتخابية برلمانية ثالثة خلال عام واحد فقط، وهو ما لم تشهده إسرائيل منذ تأسيسها قبل أكثر من سبعين عامًا.
بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الحالية يعتبر بيضة القبان في هذه الأزمات المتلاحقة، لأنه يواجه خطر السجن بسبب قضايا الفساد المتهم بها، ما يجعله يفكر بدخول مواجهات عسكرية لإنقاذ نفسه، سواء في سوريا أو لبنان أو غزة، ومن يعلم فقد تكون مواجهة مباشرة مع إيران ذاتها.
يتوقع أن يواصل نتنياهو تسخين الأوضاع الإقليمية والضغط على الجبهات المحيطة بـ(إسرائيل) دون الذهاب لفتح مواجهة شاملة وحرب مفتوحة، فهذا التوجه يعترضه أمران، الأول أن نتنياهو ليس وحده صاحب القرار بهذه المرحلة الحاسمة والمصيرية، هناك المؤسستان الأمنية والعسكرية اللتان لا تقدمان له موافقات دائمة دون ضوابط أو تحفظات، والثاني أن إيران الطرف المستهدف بهذه الحالة لا تريد حربًا مع (إسرائيل)، ولذلك قد يكتفيان بالتصعيد الكلامي، والتسخين التدريجي، دون حرق المراحل وخوض مواجهة مفتوحة شاملة.
لكن تسريبات الساعات الأخيرة عن إمكانية رد إيراني على (إسرائيل) بعد الهجمات على سوريا قبل أيام سيتم تقييمها إسرائيليًّا، ففي حال كانت خارقة للعادة، وليست رمزية أو شكلية، فإن الإسرائيليين سيردون في هذه الحالة بقوة.
نتنياهو يستخدم الورقة الأمنية عمومًا، ومواجهة إيران خصوصًا، لمساعدته بأجندته الداخلية السياسية والحزبية، ويعتبرها قضية مركزية أمام خصومه المعارضين له، لكن اللافت أن الاستمرار الإسرائيلي في مهاجمة القواعد الإيرانية في سوريا يقابله حذر لدى مهاجمة لبنان خشية اندلاع حرب مع حزب الله، دون أن يتعارض مع مواصلة (إسرائيل) تطبيق أهدافها المعلنة، سواء منع تعزيز القوة الإيرانية في المنطقة، خاصة سوريا والعراق، وفي الوقت ذاته الحيلولة دون نجاح مشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان.
الرأي العام الإسرائيلي لديه ثقة كبيرة في الجيش والمؤسسة العسكرية، ويدرك أنه لا ينساق خلف رغبات نتنياهو وخدمة أجندته الحزبية، بخوض حروب في المنطقة ستعود على الإسرائيليين بنتائج كارثية، مع العلم أن التجربة التاريخية تقول إن إيران لا تهاجم (إسرائيل)، ولكن إن خالفت هذه الصورة النمطية، وقررت مهاجمتها في داخلها، وليس على حدود الجولان، وأصابت أهدافًا حيوية فيها، في هذه الحالة سنكون أمام رد إسرائيلي قوي وقاسٍ.