يبدو أن السلطة لا تتمتع بالصفات التي تتمتع بها المؤسسات المستقرة. ويبدو أنها تقوم على فكرة القائد أو الرجل الواحد. لم تجتمع مؤسسة السلطة على جدول أعمال محدد لمناقشة الموقف الواجب فعله في مواجهة قرار بومبيو القاضي بشرعنة الاستيطان. ولم تجتمع كمؤسسة لمناقشة توجه نتنياهو لضم الأغوار؟!
نعم، سمعنا مواقف شخصية شاجبة للقرار الأميركي، ورافضة لتوجهات نتنياهو، ولكن الأصوات الشخيصة قاربت هذين الحدثين الكبيرين، كل من زاويته، فبينما تحدث العالول نائب رئيس حركة فتح عن ضرورة ضرب الاتفاقيات مع (إسرائيل) في عرض الحائط، قال صائب عريقات إن السلطة ستتوجه لمحكمة الجنايات لتشكو أميركا، (وإسرائيل)، مع العلم أن الدولتين ليستا عضوين في الجنائية الدولية، وبقي طرف ثالث في السلطة لا يشعر بالحدث، ويسير في طريقه وكأن شيئا خطيرا لم يحدث؟!
لو كانت السلطة مؤسسة، تدار بنظام جماعي، وفيها ملفات يتولاها مختصون، ويقومون بالمتابعة والقراءات الاستشرافية لوجدنا ثمة مقترحات جاهزة للرد على (أميركا وإسرائيل)، ولكنا في حاجة فقط لنقاش لاتخاذ القرار، وترتيب الأولويات. ولكن هذا مطلب فيه قدر كبير من الخيال، لأن قضايا السلطة لا تدار من خلال مؤسسة، بقدر ما تدار من خلال فرد، أو أفراد قبيلة الرئيس؟!
ما يقال عن السلطة وغياب المؤسسة الفاعلة والمساندة فيها، يمكن أن يقال عن الفصائل، حيث يدار القرار بصورة فردية، أو بعدد قليل من الذين استفردوا بالقرار تاريخيًّا.
نحن في مستوى السلطة، وفي مستوى الفصائل، وربما أيضًا في مستوى مؤسسات المجتمع المدني، نفتقر إلى الإدارة الشفافة من خلال المؤسسة الحقيقية. نعم، هناك قرارات تخرج ممهورة بختم المؤسسة، ولكن الفعل المؤسسي الحقيقي غير فاعل في جل المؤسسات .
ولا توجد مراكز مخصصة على مستوى الخبراء لدعم القرار، وتقديم التوصيات المناسبة على أسس علمية، بعيدًا عن الحزبية ذات الهوى، ومن المعلوم في العالم أن المراكز المتخصصة ذات الخبرة هي التي باتت تزود صاحب القرار بالمناسب.
مائة وتسعة وثلاثون نائبًا في الكونجرس وقعوا عريضة ترفض قرار بومبيو، وتطالبه بإلغائه، ودول أوروبية طالبته بذلك، ولا نكاد نجد عندنا من يعمل على الإفادة من هذه الأصوات، وتوجيهها للفعل المنتج، وتعزيز دعوتها أن القرار يبعث على عدم الاستقرار، الأمر الذي يفرض على السلطة اتخاذ قرارات تعزز فكرة عدم الاستقرار، حتى لا تكذب هذه الأصوات، ويقول لها خصومها لقد نفذنا القرار ولم يحدث شيء في المنطقة.
إن غياب المؤسسة، وغياب مركز الدراسات لدعم القرار، يكشف ضعف قرارات السلطة وتأخرها، ومن ثمة فإني أدعو إلى تشكيل هيئة لتشخيص مصالح السلطة والشعب بآليات عملية تجعلنا مسايرين للحدث، لا لاهثين خلفه، بلا نتيجة.