- "يا بني انزل ع السوق واشتري الي محرمة"
- "يا سيدي لفيت كزا محل والله ما لقيت"
الحفيد لم يستطع تلبية طلب جده، ليس لأنه قليل حيلة ولا يريد خدمته، بل لأن المحارم الرجالية لم تعد سلعة أساسية في السوق حاليًا كما الماضي؛ فالمناديل الورقية والمعطرة احتلت مكانها احتلالاً كاسحًا.
وهي ليست السلعة الوحيدة التي قاربت على الاختفاء من الأسواق، فمشبك "كافولة" الطفل، ومشط الشعر المصنوع من البلاستيك أو الخشب أو العظم –كان يستخدم لتنقية الشعر من القمل-، وحتى الأضواء الصغيرة جدًا والتي كان طلاب المدارس يستخدمونها لتجاربهم قديمًا.. كلها سلع ستتعب كثيرًا عزيزي القارئ في البحث عنها لو أردت الحصول عليها.
صحيفة "فلسطين" تأخذك في جولة سريعة بين الماضي والحاضر مع التاجر أحمد موسى لبد (66 عامًا) ليحكي عن تطور التجارة، والتفاصيل في السياق..
والد التاجر لبد بدأ التجارة منذ العام 1967 بالإكسسوارات والخردوات، وكأي ابن في ذاك العصر شارك والده فيها، إلى أن أنهى دراسته الجامعية وحصل على الماجستير، وكرّس وقته كله ليتفرغ كاملاً للعمل مع أبيه منذ العام 1978 ليتجاوز عمله التجاري الأربعين عامًا تقريبًا.
عن تلك المرحلة التي تلت حرب 1967 يقول: "وضع أبي بسطة في شارع عمر المختار، وبدأنا نبيع البضائع، أو يأخذ الواحد منّا "فرشًا" يحتوي عددًا من البضاعة، ويتجول في الشارع ويبيع".
في "فرش" البضاعة سيجد المشتري كل ما يخطر على باله، ومن الممكن أيضًا أشياء لا تخطر، فلم تكن هناك تخصصية في البيع، كل شخص يبيع كل شيء، وكلها أشياء خفيفة في نطاق الإكسسوارات والخردوات مثل إبر الحياكة، والدبابيس، والدباسات، وكبّاسات الملابس السوداء، والمغيط، ومقص الأظفار، وماكينة الحلاقة، ومشابك الشعر.
وبعد البسطة اشترك والده التاجر موسى لبد مع تاجر آخر في محل لمدة عشر سنوات، وبعدها استقرت عائلة لبد في محل خاص بها، وبمرور الوقت بدأت تجارتهم تزدهر وتأخذ العائلة حيزًا في سمعة السوق.
يسرح التاجر لبد في حديثه عن المعاملات التجارية قديمًا، فيقول: كانت أسهل، فالناس تعيش على البساطة، لكن الآن كلما تطورت الحياة زادت التعقيدات" ففي السابق لم يكن لأي شخص طموح سوى أن يعمل على "قد طبخته"، كما يصف.
وقديمًا كان بعض التجار هم من يستورد البضائع ويوزعونها على بقية التجار، وكانت البضائع تأتي من الأراضي المحتلة سنة 1948م، أو من الضفة الغربية، بخلاف حركة البضائع اليوم والارتباطات مع أكثر من جهة ودولة للتصدير والاستيراد.
وبالانتقال إلى الحديث عن الديون، تخرج تنهيدة من صدره، وهو يتابع: "دفتر الديون لم يكن كبيرًا، يأخذ الواحد تجارة يبيعها وفي نهاية النهار يسدد ما عليه ويأخذ ربحه"، مشيرًا إلى أن 90% من التجارة كانت سلعة مقابل مال، و10% مقايضة أمام بضائع أخرى.
وأما مفاصلة البائع لم تكن منتشرة انتشار النار في الهشيم كما الحاضر، فالكل يستفيد ومرتاح، لكن مع سوء الأحوال الاقتصادية، بفعل الحصار والاحتلال، اضطر المشتري ليجادل البائع بتخفيض ثمن البضائع.
وهذا أدى إلى استحداث نظام العروض والتخفيضات حاليًا، وهو أمر لم يكن موجودًا قديمًا –كما يوضح- فالتاجر الآن يقدم العروض والتخفيضات لتصريف البضاعة ووضع المدخولات المالية في مصاريف أخرى مثل إيجار المحل أو شراء بضاعة جديدة أو مصاريفه الخاصة.
أما فيما يتعلق بأسماء المحلات، فكانت الصفة السائدة أن يسمى المحل باسم العائلة، وهو ما بدأ يتنحى لتظهر معه صفة جديدة باختيار أسماء ماركات عالمية تجارية، أو مسميات عالمية، أو أي اسم مشهور.
وعلى غرار التطور في عالم الاتصالات من الهاتف الثابت مرورًا بالبليفون والجوال الكشاف وانتهاءً بالجوالات الذكية، هكذا يرى لبد تطور المحال التجارية من بسطة إلى محل صغير ثم محل كبير، ويليه سوبر ماركت ضخم، وأخيرًا المولات التجارية الكبرى.
أخيرًا، يتحدث عن أنه لم تكن هناك مسألة عمالة الأطفال، فأي طفل أصغر من 15 سنة غير مسموح له بالخروج من المنزل، بل يبقى في رعاية والدته خوفًا عليه، ومن يريد أن يتعلم التجارة يتعلمها مع عائلته وهو يخطو نحو سن الشباب.