تُعد منصات التواصل الاجتماعي –على اختلاف أنواعها- أبرز الوسائل والأدوات التي ربطت مستخدمي الانترنت بعضهم ببعض بشكل كبير، وعملت على توثيق عُرى العلاقات فيما بينهم في هذا العالم الافتراضي على نحو مخيف، حتى أنها باتت تطغى على العلاقات الإنسانية الحقيقية بشكل واضح وملموس، فهل يُمكن أن تُشكل هذه المنصات تهديداً يجب الانتباه إليه؟
يُشير أحد التقارير التي أطلقتها شركة آيبوك ipoke الفلسطينية إلى أن 49% من الفلسطينيين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة المسائية الواقعة ما بين الساعة 5 عصراً حتى الساعة 9 مساءً، وباعتقادي أن هذه الفترة الزمنية هي أنسب فترة يُمكن أن تجتمع فيها الأسرة مع بعضها البعض، ويلتقي فيها الوالدان بأفراد أسرتهما، للاطمئنان على أحوالهم، والاستماع لمشاكلهم وهمومهم، والاستمتاع والأُنس بقربهم، لكن وبكل أسف فإن الفيسبوك يسرق بهجة هذه الأوقات ومتعتها لانشغال أفراد الأسرة بمتابعة المُستجدات على تلك المنصات الاجتماعية، وكلُ فردٍ من أفراد الأسرة أصبح منطوياً على نفسه، متقوقعاً على جهازه المحمول.
وهذا ما يحصل على أرض الواقع، فقد أخبرني أحد زملائي ذات يوم أنه كان يجلس في صالة منزله، واحتاج لأن يشرب كوباً من الماء ولم يكن عنده أحدٌ من أبنائه ليحضر له مبتغاه، فقام بالبحث عن أحدهم في العالم الافتراضي عَلَّه يكون متواجداً ويحضر له حاجته، وفعلاً وجد أحد أبنائه متصلاً فكتب له طالباً منه إحضار كوب ماء، وما لبث إلا أن أحضر له مراده، مع العلم أن ابنه كان في الغرفة المجاورة له، ولا يبعد عنه سوى بضعة أمتار، وكان باستطاعة هذا الوالد أن يُنادي على ابنه ويطلب منه ما يريد!!!
خلُص ذات التقرير إلى أن 17% من مستخدمي موقع فيسبوك يستغرقون في الجلسة الواحدة ما بين الساعتين لخمس ساعات متواصلة لتصفح الفيسبوك، وهي فترة زمنية ليست بالقصيرة!!! وهذا لا ينحصر فقط على فئة الشباب، بل إن 5% ممن تزيد أعمارهم عن 55 عاماً يتواجدون على هذه المنصة الاجتماعية، بمعنى أن بلوى تفتُت النسيج المجتمعي، إلى جانب إهدار الوقت بلا طائل ستطال الجميع دون استثناء إن لم نُحسن ضبط أنفسنا وأوقاتنا عند تصفحنا لتلك المواقع.
لما سبق، نجد أن العلاقات الاجتماعية الطبيعية والتواصل البشري المباشر مع الآخرين آخذين في التآكل، فكان من الواجب أن ندق ناقوس الخطر حتى لا يأتي ذلك اليوم الذي نعض فيه على أصابع الندم، ونقول فيه إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مواقعاً للتنافر الاجتماعي.