فلسطين أون لاين

​"فاطمة".."الجدعة" التي حققت حلمها من الصفر

...
صورة أرشيفية لفاطمة الجدع
قلقيلية / غزة - مريم الشوبكي

من وراء ماكينة الخياطة حاكت "فاطمة" حلمها فامتلكت كـ"بروفة" أولى "مَشغلًا"، وكانت مثالًا للمرأة "الجدعة" التي "اشتغلت" على نفسها حتى ذاع صيتها في محافظات الضفة الغربية ليكون لها في كل محافظة مصنع.

"فاطمة الجدع" سيدة أعمال ولدت عام 1959 في قرية حبلة التابعة لمحافظة قلقيلية، تمتلك سلسلة مصانع نسيج في محافظة نابلس وطولكرم وقلقيلة، يعمل فيهم 250 عاملًا وعاملة، ناهيك عن مزارع جوافة وزيتون يعمل فيها عمال من عدة محافظات في الضفة الغربية.

تشجيع والدي

تحدثت الجدع لـ"فلسطين" عن رحلتها في بناء مشروعها على مر السنين.

تقول: "كان الفضل لأبي عبر تشجيعه لي وبسببه وصلتُ إلى هذه النقطة في حياتي غير آبهةٍ بكلام الناس؛ والدي كان ميسور الحال يمتلك مزارع حمضيات في القرية ووالدتي كانت فلاحة تعمل في الأرض أيضًا؛ استمددتُ منها القوة والصبر، وحينما شعر والدي برغبتي في العمل اقترح عليَّ التدرب في الخياطة ولاحقَ طموحي وساندني بقوة حينما كان لا يهتم بكلام أهالي القرية تجاه فتاةٍ تخرج كل يوم للعمل".

وتابعت الجدع: "لكنه كان يُوصيني بتجنب الشبهات والالتزام بالعادات والتقاليد، ويشجعني بقوله: "ابني لنفسكِ تاريخًا.. ستجدين أن الجميع يقف بجانبك وسيضعون ثقتهم فيك".

وأكملت قائلة: "منذ أن كان عمري عشر سنوات بدأتُ أتحدث مع والدي عن رغبتي في عمل شيء ولكن لا أعرف ما هو، وحينما بلغتُ 16 عاما تدربتُ في جمعية المرابطات الخيرية وأنهيتُ فيها عامًا من التدريب، ومن ثم أهداني أول ماكينة خياطة وكنتُ أعمل عليها ليل نهار دون كلل أو ملل واستمررت لعامين".

وأضافت الجدع: "أصبحتُ أحيكُ الثياب للسيدات في قريتي والقرى المجاورة وكذلك أراضي الداخل المحتل وبدأتُ بتحقيق حُلمي من الصفر، وفي عام 1987 حينما كان عمري 22 عاما استأجرتُ أول محلٍ حتى عام 1990 ثم استأجرتُ المحلين المجاورين لي نظرًا لتوسع عملي وزيادة الطلبات".

وفي عام 1999 أي بعد تسع سنواتٍ من العمل على تحقيق طموحها بخطى ثابتة انتقلت لمرحلةٍ جديدة في حياتها، واستطاعت شراء أرض بمساحة 3000 متر وبنَت عليها مصنعا من ثلاثة طوابق.

التجارة "ربح وخسارة" كما يقال، ففي عام 2002 عند بناء الاحتلال الإسرائيلي الجدار العازل، أعاقَ حركة البضائع والعمال أيضًا؛ وقطَّع أواصر القرى مما أثر على عمل "فاطمة" ولكنها لم تستسلم حينها, فجاءتها فكرة إنشاء مشغل خياطة في عدة محافظات ليسهل على العاملات الوصول إليها.

بنت عشرين

حينما سألتها عن عمرها، قالت ضاحكة: "رغم كبر سني إلا أنه عندي إرادة وطموح كأني فتاةٌ عشرينية وطموحي ليس له حد، وطموحي الآن تنفيذ مشروع إعادة تدوير القماش بهدف عدم هدر المال، وحاليًا أجري دراسة للمشروع الذي سأنفذه بالشراكة مع صندوق الاستثمار الفلسطيني".

من مقومات النجاح بالنسبة لـ"فاطمة" الإصرار والعزيمة والإرادة وتحدي الصعوبات، والجودة؛ والالتزام بالمواعيد والصدق.

وساهمت "الجدع" في توفير فرص عمل لأبناء محافظتها، حيث ساهمت في تأهيل عددٍ من العمال والعاملات داخل مصانعها، فكانت تدربهم وتمنحهم معاشًا أيضًا تشجيعًا لهم وتقديرا لظروفهم.

التكامل

تعاني الأراضي الفلسطينية من تضخم معدلات البطالة لشباب من خريجي الجامعات، فما هي النصيحة التي تهمسها في آذانها، تقول: "التكامل مهم في الحياة، ولا يصح أن نتعلم كلنا وننتظر الوظائف، بل يجب أن يتوجب الشباب نحو تعلم صنعة أو حرفة حتى لو كان معهم شهادة جامعية".

وتابعت: "فمثلًا تفتقر محافظتي ميكانيكيا إلى مختص بتصليح الآلات الإلكترونية، كما تعاني من قلة عدد المواسرجية والسباكين".

ونصحت الشابات بالتوجه نحو التخصص في تصميم الأزياء لأن الناس لا تستغني عن اللباس، وهذا ما فعلته مع شابة يتيمة كانت تعاني قلة فرص العمل, فاقترحت عليها الالتحاق بقسم تصميم الأزياء وبالفعل حقق نجاحا كبيرا بعد تخرجها.

و"الجدع" تؤكد أنه ليس هناك شيء اسمه مستحيل، فيجب على كل شخص منذ الصغر أن يُنمي موهبته وعلى أهله ومن حوله اكتشاف موهبته وتنميتها، فالحياة في عمرٍ صغير تُعلم وتُكسب خبرات وبعدها تستطيع أن تصنع اسمًا.

شماعة الاحتلال

وعن المعيقات التي واجهتها في مشوارها التجاري، أشارت إلى أن ظروف الاحتلال أعاقت الحركة لتوصيل بضاعتها لمحافظات الضفة والداخل المحتل، وبسببه أعلنت عدد من شركات النسيج عن إفلاسها الأمر الذي عرضها لخسارة تعدت المليون دولار.

واستدركت قائلة: "مع ذلك يجب ألا نأخذ الاحتلال شماعة لعدم العمل، على العكس يجب أن نثبت له وللعالم أننا نستطيع أن نتحدى أي صعوبة وإرادتنا أقوى منه".

وحازت "الجدع" على جائزة البنك الإسلامي للتنمية عام 2006؛ والتي كانت بعنوان التنمية النسوية الفردية، كواحدة من النساء اللواتي نجحن في عملهن ووفرن فرص العمل لمثيلاتهن في المجتمع، وألقت كلمتها أمام 64 امرأة شاركت في المسابقة، تصف شعورها: "تملكني الشعور بالفخر كوني امرأةً من دولةٍ محتلة تفوقت على سيدات في دولٍ غير محتلة".