الانتخابات هي استحقاق وطني لكل شرائح الشعب الفلسطيني، وليس خياراً سياسياً كبيراً في ظل وجود إرادة سياسية فلسطينية لأصحاب القرار في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهي لا تحتاج إلى مكياج الأَجِنْدَة والتكتيكات الاستعراضية والخِطابات الفصائلية والإرادة السياسية للتوافق الوطني على الإجراءات الإدارية للانتخابات لوضع الترتيبات اللازمة لإنجازها ونجاحها، بل تحتاج لنوايا خالصة تُطبَّق على أرض الواقع بدلاً من التصريحات التي تُطلق في اللقاءات الصُحفية من خلف الشاشات من كلا الطرفين.
فالحالة الفلسطينية والإقليمية التي تمر بظروف لا تُحسد عليها و لا تخفى على أحد، وتأتي الدعوة للانتخابات في ظل استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني، وفشل إجراء الانتخابات المحلية سابقاً، والحاجة المُلحَّة لسد ثغرة أساسية في النظام السياسي الفلسطيني و هو غياب المجلس التشريعي بعد حلِّه بقرار من رئيس السلطة محمود عباس، إضافة لإعادة تأهيل النظام و جعل المجلس التشريعي يتحمل المسؤولية عن القوانين و الحياة السياسية العامة، وتوزيع المسؤوليات والصلاحيات، وتَغَوُّل السلطة التنفيذية على كل من السلطة التشريعية والقضائية، وعدم استقرار المراكز والأوضاع القانونية في الحالة الفلسطينية جراء الانقسام الفلسطيني البغيض، مما يثير العديد من التعقيدات القانونية الحقيقية أمام العملية الانتخابية في حال حدوثها.
فمَا بَيْن جاهزين و مستعدين ينتظر الشعب في كافة أماكن وجوده بأن يزهر ذاك الحُلم الذي بات صعباً ومُحالا، فمن غير المعروف هل ستكون الانتخابات التشريعية القادمة على أساس النظام السابق نسبي ودوائر، أم تكون علـى أساس نسبي كامل كما يطالب الرئيس عباس و حركة فتح، فالاتفاق على كيفية محاور الانتخابات سيكون عَقَبَة إن كان موقف حركة فتح والرئيس مغايراً عن موقف حركة حماس في ظل أن الأولى تُصر على إجراء الانتخابات على طريقة النظام النسبي الكامل بما يُخالف وثيقة المصالحة المُوقع عليها الطرفان، ولكن حتى اللحظة لم تُعلِن حماس عن موقفها من هذه المسألة وسط حالة من الترقب من المراقبين و المحللين.
فالجلوس مع السلطة وتحديداً حركة فتح لتحديد سيناريوهات المرحلة القادمة فيما يتعلق بآلية إجراء الانتخابات سواء الحديث عن الانتخابات التشريعية أو الرئاسية وكذلك المجلس الوطني، بالاستناد إلى الاتفاقيات السابقة، في ظل وجود موافقة مبدئية واضحة وصريحة من الطرفين يُعطي مؤشراً إيجابياً للبدء في الخطوات الأولى وتنفيذها عملياً.
تعثرت ملفات المصالحة بعد سلسلة من اللقاءات والتي سعت العديد من الدول من أجل الوصول لحلها ولكن تُوِّجَت بالفشل الذريع وسط حالة وصفت بالميؤوس منها، فالانتخابات في هذه المرحلة تزداد تعقيداً عن سابقتها بفعل الانقسام الفلسطيني البغيض، فالسيناريوهات المتوقعة مجهولة حتى اللحظة في ظل عدم وجود رؤية واضحة من كلا الطرفين، وغياب مرسوم رئاسي يحدد موعد إجرائها والكيفية.
فالفرصة الكاملة للمواطن سوف تُعطى في حال حصلت الانتخابات ليَنْتَخِبْ من يجد فيه إمكانية إصلاح الحالة الفلسطينية التي وصلنا إليها اليوم ، فحدوث عملية ديمقراطية في ظل وجود الانقسام صعب جداً ، علاوة عن ذلك وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي يقف دوماً عائقاً أمام إحداث أي شكل من أشكال التنمية و الرقي سواء على الصعيد السياسي و الاقتصادي أو حتى الاجتماعي، وبناء عليه فإن آخر عملية انتخابية حدثت في فلسطين كانت عام 2006م، وكانت عبارة عن انتخابات البرلمان و سبقتها بعام أي عام 2005م، انتخابات الرئاسة وجاء على إثرها الرئيس الحالي محمود عباس.
ويبقى دائماً هناك آراء مختلفة ومتنوعة في تقييم المسألة و كيفية جلب الفائدة منها والجدوى من خوض الانتخابات فمنهم من يرى في الانتخابات سبيلا للخلاص من الأزمة الحالية والأوضاع المأساوية التي تمر بها القضية الفلسطينية، ومع ذلك هناك من لا يرجح حدوث الانتخابات نظراً للواقع الذي نعيشه و رفض كِلا طرفي الانقسام التنازل و عدم الالتفات للمصلحة العامة (الشعب) و دون الأخذ بعين الاعتبار حرية المواطن وحقه وفقاً للقوانين والأنظمة في انتخاب من يمثله بعد غياب طويل لتلك العملية الديمقراطية وسط تصريحات إيجابية من كلا الطرفين فيبقى المستقبل مجهولاً فهل يوجد انتخابات فلسطينية أم ما هي إلا مناورة إعلامية؟