الجريمتان متشابهتان إلى حدّ كبير مع بعض الفوارق، التشابه هو أن الجريمتين اشتركتا في القتل الجماعي على خلفية عنصرية؛ النازية بقيادة هتلر ارتكبت بحق اليهود وغير اليهود، جريمة إبادة جماعية بغض النظرعن الاختلاف في حجمها بين من بالغ ومن حاول تقدير الضحايا بموضوعية.
أما الحركة الصهيونية التي أُلقي على كاهلها تنفيذ وعد بلفور بعصاباتها المتعددة فقد ارتكبت مجازر وطهرت بلادا واسعة من سكانها الاصليين تطهيرا عرقيا على خلفية عنصرية ، عشرات المدن ومئات القرى تم تهجير أهلها منها بعد تلك المجازر الدموية التي ارتكبت، وتم إحلال أناس جيء بهم من حوالي اثنين وتسعين بلدا بعد عملية التطهير هذه.
والفوارق بينهما: أن الهولوكوست مرة واحدة وانتهت، ولكن الجريمة الثانية ما زالت مفتوحة، نجد كل يوم المزيد من القتل والاعتداء والانتهاك الصارخ الذي يقع على رؤوس الفلسطينيين منذ النكبة الى يومنا هذا، وما زالت البلاد والعباد عرضة للمزيد من المجازر وأشكال الهولوكوست المتجددة، ألم يكن مثلا العدوان على غزة المتكرر بالقنابل الفسفورية وتدمير الابراج بالقنابل الفراغية فوق رؤوس ساكنيها وتدمير مقرات الامم المتحدة في قانا لبنان والمدارس... ولا داعي لتعداد المجازر.. ألم تكن شبيهة بالهولوكوست.
وثانيها ان العالم قد تفهم الجريمة التي ارتكبها النازيون وبدأت ألمانيا بدفع تعويضات سنوية هائلة الى يومنا هذا، وفتح العالم الحرّ بقيادة بريطانيا ثم أمريكا عيونه على الجريمة النازية، في حين أغمض هذه العيون بكل عميها عن الجريمة الثانية وترك للمجرم أن يمعن في جريمته كما يحلو له.
وثالث الفوارق أن الأولى مختلف على حجمها وقد تم تبني الرواية الصهيونية كما أرادوا لها أن تكون ، في حين الثانية مصورة وبالصوت والصورة وعلى البث المباشر بكل حيثياتها المتجددة، فلا يكاد العالم يغفل وينام على جريمة الا وارتكب الاحتلال جريمة جديدة تقض مضاجعهم وتضرب ضمائرهم التي تجمدت وتبلدت على رواية الصهيوني عن الهولوكوست وما فعلت النازية بهم.
وهناك فرق رابع هو ان الذي ارتكب الجريمة الأولى قد انتهى حكمه وزال عهده ومع ذلك يأتي من بعده ليكفر ذنبه ويعوض جريمة من سبقه، أما الجريمة الثانية فإن جلادها متواصل ومتعاقب ومصرّ عليها الى يومنا هذا.
المطلوب من بريطانيا أسوة بالألمان في الاعتراف بخطيئة حاكمها الغابر وتعويض الضحية أن تعترف بخطيئة بلفورها وما نتج عنها من جرائم ومجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان وما لحق بفلسطين من دمار واحتلال وطغيان، وبعد الاعتراف عليها ان تقف عند مسئولياتها التاريخية والحالية وإن لم تفعل كما هو حالها اليوم عندما تصر على الجريمة وتحتفي بمئوية وعد بلفور فعليها أن تقف وجها لوجه أمام مأزقها الأخلاقي وأن تنكشف أمام العالم على حقيقتها الإجرامية.
وهنا يأتي دورنا الفلسطيني والعربي في طرق جدران خزان ضمائرهم السميك وألّا نتنازل عن مظلوميتنا أبدا بل استمرار الحديث عنها وترويجها وتعليق الخطيئة في رقبة مرتكبها بكل دقة ووضوح، جهارا نهارا بلا مواربة أو ضعف. لن نتنازل عن حقنا ولن نعفي المجرم من ثقل جريمته ، فلولا بريطانيا لما قامت هذه الدولة، ولولا أمريكا والدعم الغربي لما استمرت، ولا نعفي صمت كل من ادعى أنه ينتمي للعالم الحر والحضارة الانسانية بصورتها المعاصرة ، بل نجوب العالم أجمع بعرض هذه الجريمة بحجمها الحقيقي ونشير بأصبع الاتهام إلى كل من يشارك أو يتغاضى ويصمت.
بلفور لم يمت، ما زال ممارسة سياسية وعسكرية وغطرسة واستكبارا وظلما وطغيانا، بلفور اليوم ليس وزيرا يعد وإنما دول تنفذ وتتفانى وتتماهى بتطبيقات هذا الوعد.