فلسطين أون لاين

وصيتك زيادة في محاسنك

...
صورة أرشيفية
غزة/ أسماء صرصور:

الوصية في اصطلاح الفقهاء "تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، سواء كان ذلك في الأعيان أو في المنافع"؛ مثل أنْ يوصي الإنسان أن يُعطى شخصٌ ما من ماله مقدارًا معينًا لكنْ بعد موته؛ فهذا هو الشرط في تعريف الوصية، فإنْ كان التمليك في حال الحياة فهو صدقة، وتبرع، وهدية.

وتوسع الناس في معنى الوصية فأدخلوا فيها طلبَ الإنسان من ورثته أنْ يفعلوا أشياء ولو كانت غير مالية، مثل أنْ يوصي أنْ يدفن في مكان معين، أو أنْ يصلي عليه شخص معين، وعليه يمكن تقسيم الوصايا إلى قسمين الوصية المالية، والوصية غير المالية.

"فلسطين" تحدثت مع عميد كلية الشريعة والقانون وأستاذ الفقه وأصوله المشارك د. تيسير إبراهيم لمعرفة حكم الوصية، وما هي شروط كتابتها؟ وأحكام أخرى متعلقة بها، والتفاصيل تتبع:

ويتحدث إبراهيم عن حكم الوصية المالية بقوله: "مشروعة ومستحبةٌ من حيث الأصل بالكتاب والسنة والإجماع"، مبينًا أن دليل المشروعية من الكتاب فقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وقوله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وأما من السنة فحديث: (سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله، أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال لا، قلت أفأتصدق بشطره؟ قال لا، الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)".

وأما الإجماع – يقول- فقد أجمع العلماء على مشروعية الوصية، موضحًا أن دليل الاستحباب في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} وهذا كان واجبًا في بداية التشريع، ثم نُسخ الوجوب وبقي الاستحباب.

وينتقل عميد كلية الشريعة والقانون إلى الحديث عن حكم تنفيذ الوصية المالية، مشيرًا إلى أن تنفيذها واجب؛ أي يجب على الورثة تنفيذها قبل توزيع التركة.

وينبه إلى أنه قد يَعرِضُ للوصية ما يجعلها محرمة مثل أن يوصي فيما هو محرم كبناء محرم، أو أنْ يُصرف المال في فعل محرم، وهذا النوع من الوصايا يحرم على الورثة تنفيذه، أما الوصايا المالية المتعلقة –متابعًا- بسداد الديون، ورد الحقوق والأمانات؛ فهذا مما يجب على الإنسان أنْ يوصي به؛ وألا يبيت إلا وعنده وصية.

ويرجع ذلك إلى أنه إن لم يفعل فإنه يعرض حقوق العباد للضياع، مضيفًا: "وعليه أنْ يُعدّل هذه الوصية بين الحين والآخر حسب الحال، فمن كان عنده أمانة لآخر فإنه يجب عليه أن يبين لورثته أنها أمانة، وأن يطلب منهم أن يردوها بعد موته لصاحبها، ويجب عليهم أن ينفذوا تلك الوصية".

ويشير إلى أن الوصايا غير المالية مثل أن يوصي إنسان بأن يدفن في مكان معين، أو أن يصلي عليه شخص معين، فهذا كذلك مشروع، لأنه قد يكون للإنسان مقصد مشروع من هذه الوصية مثل أن يدفن بجوار صالح أو بجوار والده أو ولده، أو أن يكون من يريد أن يصلي عليه من أهل الصلاح، وحكم تنفيذ الوصايا غير المالية مستحب، أي يستحب للورثة تنفيذها، ولا يجب، وذهب بعض العلماء إلى وجوب التزام الوصايا غير المالية.

ويلفت إلى أنه قد تكون الوصايا غير المالية محرمة مثل أن يوصي بأن يدفن في غير مقابر المسلمين، أو أن يطلب من ورثته فعلًا محرمًا مثل أن ينوحوا عليه أو أن يلطموا الخدود، أو أن ينبشوا قبرًا لكي يدفنوه فيه ولا ضرورة للجوء لذلك فكل هذه وصايا محرمة ويحرم على أهل الميت تنفيذها.

وماذا عن الحكمة من مشروعية الوصية؟ ، يلفت إلى أن السنّة نصت على بعض حِكَمِ الوصية في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم، زيادة في حسناتكم) فحكمة مشروعية الوصية تحصيل الثواب في الآخرة، وتمكينًا للمسلم من العمل الصالح بعد انقطاع العمل بسبب الموت.

ويشير إلى أنه ليس شرطًا في الوصية أن تُكتب ويكفي فيها الإشهاد، ولو كتبها زيادةً في التوثيق فأفضل، وتكتب واضحةً بينة مزيلة لأي التباس فإن أوصى وصية مالية عليه أن يوضح من هم أصحابها، ومقدار ما يريد أن يوصي به لهم؛ حتى لا يحدث نزاع بين ورثة الموصي والموصى لهم، وكذلك فيما لو كانت الوصية غير مالية، أو وصية رد حقوق وسداد ديون.

أما شروط الوصية فيعددها أستاذ الفقه وأصوله المشارك: أن تكون صادرة ممن له أهلية التبرع؛ فلا تصح من صغير غير بالغ، ولا من مجنون غير عاقل، وأن تصدر بلا إكراه، وأن لا تكون لوارث لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" وألا تزيد على ثلث التركة لقوله صلى الله عليه وسلم: "الثلث والثلث كثير".