خياران لا ثالث لهما يواجهان مستقبل السلطة الفلسطينية. وهذان الخياران هما، القاسم المشترك مع (إسرائيل)، لأنهما يلتقيان عند خيار بقاء السلطة. ولكن السؤال أية سلطة؟ ورغم أن السلطة الفلسطينية مرجعيتها السياسية «اتفاق أوسلو» وهو المنشئ لها، فإن الرئيس الراحل ياسر عرفات لم يكن يقصد أن تكون السلطة التي تريدها (إسرائيل)، وأن تبقى محكومة بهذه المرجعية، بل كان الهدف أن تتحول لنواة سلطة حقيقية لدولة فلسطينية. ولذلك عمل الفلسطينيون على تحويل هذه السلطة إلى واقع سياسي غير إسرائيلي، وأن يكون لها تمثيل ديبلوماسي خارجي. وقد يكون هذا هو السبب لإيلاء السلطة كل الأهمية في المرحلة الانتقالية، لكنهم تناسوا أن هناك احتلالاً للأرض، ولا سلطة حقيقية بوجود احتلال. (إسرائيل) تريدها سلطة بوظيفة أمنية، وتتحمل كل الأعباء، ورفعها عن كاهلها في تقديم الخدمات لأكثر من خمسة ملايين من السكان. وبقيت (إسرائيل) تتحكم في مظاهر السيادة التي من المفترض أن تمارسها السلطة، فهي تتحكم بالمنافذ البرية والجوية إن وجدت، وتتحكم بمن يدخل ويخرج، بل وبإصدار الهوية الفلسطينية. هذا الواقع أوقع الفلسطينيين في مأزق سياسي كبير في تحديد خياراتهم وكيفية التعامل مع السلطة للأسباب التالية:
* أولاً: إن حل السلطة مستبعد، لأنها أحد مكونات الدولة الفلسطينية التي نجح الفلسطينيون في الحصول من خلال الاعتراف بها كعضو مراقب في الأمم المتحدة، والمطلوب هو العمل على تحررها من قيود أوسلو وتحويلها لسلطة دولة.
* ثانياً: السلطة الفلسطينية باتت المسؤولة عن كل الفلسطينيين في الوطن والخارج، بما تقدمه من خدمات، وكونها المسؤولة عن المال الفلسطيني.
* ثالثاً: السلطة اليوم ومن خلال وزارة خارجيتها تملك جهازاً ديبلوماسياً له علاقات مع أكثر من مئة وثلاثين دولة، وهذا التمثيل الدبلوماسي من صور الممارسة السيادية للدولة الفلسطينية.
* رابعاً: المقصود بالسلطة الفلسطينية، السلطة التنفيذية المتمثلة بالرئيس ورئاسة الحكومة والسلطتين التشريعية والقضائية، ونظراً لحالة الانقسام السياسي وتجميد عمل السلطة التشريعية، فالسلطة تتركز في يد الرئيس، وهنا الربط بين الرئاسة وبقاء السلطة.
ويضاف إلى هذه الأسباب أيضاً تبعية منظمة التحرير لقرار السلطة، التي أصبح لها الأولوية، لأنها هي من يصنع القرار السياسي الفلسطيني الذي يشمل الداخل والخارج. لهذه الأسباب يتم التمسك ببقاء السلطة كخيار فلسطيني وكمصلحة وطنية عليا، باعتبارها أحد المنجزات والمكتسبات التي ينبغي الحفاظ عليها.
وبالمقابل هذا لا يعنى استبعاد خيار حل السلطة الفلسطينية الذي يعنى خسارة كل ما سبق، والدخول في حالة من الفوضى والصراع السياسي الفلسطيني، والتخوف من وجود سلطات محلية بديلة تسعى إليها (إسرائيل)(!).
لكن السؤال يبقى دائماً، أية سلطة نريد؟ وماهية السلطة الفلسطينية؟ على الرغم من أهمية الحفاظ على السلطة الفلسطينية كأحد أهم مكونات الدولة، فالمطلوب مراعاة وظائف السلطة، والاتفاقات التي تحكمها ب(إسرائيل)، فليس بالضرورة الإعلان عن حل السلطة وفقاً لاتفاقات أوسلو، بل من حق السلطة أن تطالب بمراجعة كل الاتفاقات المعقودة، وعقد اتفاقات جديدة في إطار سلطة الدولة وفي إطار إنهاء الاحتلال(!).
السلطة في حاجة لتحقيق التوازن السياسي والأمني والاقتصادي، وأن تتحول إلى سلطة كفاحية بعيداً عن ترف الموقع، وهذا يستوجب منها الالتزام بالشفافية ومحاربة الفساد، والتقشف، والمساءلة الحكومية ومحاربة التضخم الوظيفي وإفساح المجال أمام القطاع الخاص ليأخذ دوره، ووضع حد للازدواجية المالية بين منظمة التحرير وموازنة السلطة، والترشيد في الإنفاق والبذخ الحكومي، والعمل على وحدانية تمثيل السلطة وتجسيدها للكل الفلسطيني، والعودة لأساسها الشعبي بتجديد شرعيتها عبر الانتخابات، وتفعيل الدور المؤسساتي والحد من الدور الفردي. وأخيراً، الإعلان عن سلطة دولة وليس سلطة أوسلو.