تحدثت الديانات السماوية عن شجرة الزيتون، ولكن هذا لم يحمها من إرهاب المستوطنين الإسرائيليين في فلسطين، بل يزداد استهدافها والتنكيل بها. وقد شهد موسم قطف الزيتون الحالي ارتفاعا في اعتداءات هؤلاء، خصوصا في الأراضي القريبة من المستوطنات والطرقات الالتفافية، بل وضربَ مستوطنون وجنود في جيش الاحتلال مزارعين فلسطينيين، كما تعرّض أحد اليهود اليساريين المتضامين، يزيد عمره عن الثمانين عاما، للضرب من هؤلاء، حين كان برفقة مجموعة يهودية يسارية حضرت لمساعدة الفلسطينيين في قطف ثمار الزيتون قرب نابلس. واستمرت كذلك عمليات تقطيع أشجار الزيتون، وسرقة المحصول، إضافة إلى الإجراءات التعجيزية التي تفرضها سلطات الاحتلال العسكرية على الفلسطينيين الراغبين بدخول أراضيهم لقطف ثمار الزيتون، خلف جدار الضم العنصري ومحيط المستوطنات والشوارع الالتفافية.
انخفض عدد أشجار الزيتون في الضفة الغربية إلى 11 مليوناً، بعد أن كانت تزيد على 27 مليوناً عشية اتفاقية أوسلو في 1993، لمّا شهد المشروع الاستيطاني انطلاقة كبرى، وشقّا للشوارع الالتفافية وجدار الضم التي التهمت ما يزيد على 20% من أراضي الضفة الغربية، حيث تعتاش عشرة آلاف أسرة فلسطينية من محصول الزيتون والزيت، ويعتبر مصدر رزقها الوحيد، كما يغطّي المنتج الفلسطيني منهما احتياجات مائة ألف أسرة فلسطينية.
تعتبر الحركة الصهيونية شجرة الزيتون الفلسطينية نقيضا لمشروعها، لأنها شكلت علامةً على الهوية الوطنية الثقافية الفلسطينية، وقد واصلت الأجيال الفلسطينية اللاحقة التمسّك بها. وتفرض سلطات الاحتلال شروطا تعجيزية على الفلسطينيين لدخول أراضيهم، بغرض تقليل أعدادهم وتيئيسهم وتركهم الأرض للمستوطنين. ومن جديد قرارات الاحتلال أخيرا اقتطاع سبعمائة دونم من أراضي قرية قريوت في منطقة نابلس، والتي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية، وتغيير مكانتها لتتحول من منطقة B إلى منطقة C، ما يعني إلغاء إسرائيليا أحاديا لما تبقى من اتفاقية أوسلو، حيث ستخضع للسيطرة المدنية والأمنية الإسرائيلية، الأمر الذي يفرض على أصحاب الأراضي الحصول على تصريح خاص من السلطات الإسرائيلية لدخول أراضيهم. كما تساعد سلطات الاحتلال المستوطنين في عدوانهم على الفلسطينيين في موسم الزيتون. وقد أكد تقرير مؤسسة يش دين اليسارية الإسرائيلية، وصدر الأسبوع الماضي، أن الجيش والشرطة الإسرائيلية شريكان في الاعتداءات ضد الفلسطينيين، وذكر أن جنودا إسرائيليين شاركوا المستوطنين في البطش بالمزارعين الفلسطينيين العزّل، بدلا من توفير الحماية لهم حسب القوانين الدولية. ونشرت مؤسسات إسرائيلية أن أكثر من 96% من شكاوى الفلسطينيين يتم رميها بعد مغادرة الفلسطيني مراكز الشرطة الإسرائيلية، فيما تفتح السلطات ملفات تحقيق وهمية، لكنها لم توجّه لائحة اتهام واحدة ضد أي مستوطن.
كما أعطى الحاخامات، وكذا المؤسسات الدينية، شرعية دينية لتلك الأعمال الإرهابية. وكان الحاخام الأسبق لـ(إسرائيل)، عوفاديا يوسف، وحاخام مستوطنة كريات أربع، دوف ليئور، قد أفتوا بتقطيع أشجار الزيتون وسرقة ثمارها، وأن سارق الزيتون الفلسطيني يؤجر ثلاثا، لأنه أعاد "خيرات اليهود" لليهود، ولأنه حرم أعداء اليهود من "خيرات اليهود"، ولأن سرقة الزيتون ستؤدي إلى تيئيس أعداء اليهود، ودفعهم إلى الهجرة، كما حثّ الحاخام موردخاي إلياهو شبيبة التلال على سرقة الزيتون الفلسطيني، وعدم السماح للفلسطينيين بالاستفادة منه، بحجة أنهم زرعوا أشجار الزيتون على أرض إسرائيل، بدون موافقة أصحابها اليهود، على حد زعمه. وقد أصبحت حوادث تقطيع الأشجار وحرقها وسرقة ثمارها تتكرّر باستمرار بعد الفتاوى الدينية. وقد وثقت منظمة بتسيلم اليسارية الإسرائيلية تقطيع المستوطنين ألفي شجرة زيتون وعنب في منطقة الخليل، في شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران من العام الماضي، منها تقطيع سبعمائة شجرة عنب في ليلة واحدة.
ويذكر أن الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، سمحت، ولأول مرة منذ اتفاقية أوسلو، للجمعيات اليهودية الاستيطانية، وخصوصا "كيرن كييمت"، بشراء أراض وعقارات في الضفة الغربية، وإغراء أصحابها على تركها والهجرة إلى الخارج والتخلي عن بطاقة الهوية الفلسطينية، حتى من مناطق A التي يفترض أن تخضع أمنيا وإداريا للسلطة الفلسطينية. وتم تخصيص مليار دولار سنويا لذلك، إضافة إلى مساعداتٍ كبيرة تحصل عليها المؤسسات الاستيطانية من مؤسسات ومتبرّعين وأثرياء يهود من الخارج، ما يفرض على الكل الفلسطيني، من سلطة وفصائل وطنية، العمل على مواجهة المشروع التفريغي الإحلالي، ودعم الوجود الفلسطيني في وطنه.
وعلى الرغم من تراجع قطاع الزيتون الفلسطيني بسبب الإرهاب الإسرائيلي، إلا أن تلك السياسات جاءت بنتائج عكسية، حيث تحول موسم قطف الزيتون في المجتمع الفلسطيني إلى مناسبات وطنية جمعية للتلاحم والمشاركة بين مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني. وتشكلت مؤسسات وأطر ولجان أهلية تنشط في مساعدة أصحاب الأراضي والدخول معهم إلى أراضيهم لمواجهة سياسات الترهيب التي تقوم بها سلطات الاحتلال ومستوطنوه المجرمون. وانضم عشرات اليهود اليساريين لمساعدة الفلسطينيين في الوصول إلى أراضيهم ومرافقتهم والعمل معهم.
ومما يؤكد الاستهداف الصهيوني للزيتونة الفلسطينية أنها أصبحت إحدى ركائز البقاء الفلسطيني، والتجذّر بالأرض، في وقتٍ اشتدت فيه الحرب على الأرض. وأكد ذلك تقرير أصدرته منظمة تعايش اليهودية اليسارية قبل أيام، وتضمن شهاداتٍ عن اعتداءات طاولت كل مناطق الضفة الفلسطينية على المزارعين الفلسطينيين والمتطوعين عربا ويهودا من المستوطنين والجنود، مستخدمين القضبان الحديدية وأعقاب البنادق والعصي والحجارة.
العربي الجديد