فلسطين أون لاين

​"الاعتقال الإداري" سلاح (إسرائيل) الجديد ضدهم

الأسرى الأردنيون وعائلاتهم.. آثار مفقودة وزيارات مقطوعة!

...
صورة أرشيفية
عمان-غزة/ يحيى اليعقوبي:

بين أحكام مؤبدة وسنين اعتقال طويلة، تغيّب سجون الاحتلال الإسرائيلي 22 أسيرا أردنيا، سبقهم 30 مفقودا لم تعرف آثارهم وأخبارهم التي دفنت معهم في فلسطين المحتلة.

بين تلك القضبان يعاني هؤلاء الأسرى ظروف اعتقال قاسية، وتعذيبًا وتنكيلًا وإهمالًا طبيًّا، وحرموا من زيارة عائلاتهم، لكن التطور الأخطر كان ممارسة الاحتلال سياسة "الاعتقال الإداري" لأول مرة بحق الأسيرين الأردنيين من أصل فلسطيني هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي، دون أي تهمة.

في يوم الأسير الأردني الذي يوافق 20 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، شارك ناشطون أردنيون في حملة التغريد الإلكترونية تحت عنوان "احكيلهم كلمة"، عبر وسم (#يوم_الأسير_الأردني).

وتتلخص مطالب عائلات الأسرى الأردنيين، بتمكين طبيب من زيارة أبنائهم المرضى في سجون الاحتلال، وكذلك السماح لذويهم بزيارتهم دوريًّا، وتأمين توصيل احتياجاتهم وتحسين ظروف اعتقالهم، وحظر الاعتقال الإداري بحق المواطنين الأردنيين، والإفراج عن "اللبدي" و"مرعي".

وعلى سلم قائمة الأسرى الأردنيين، يتربع اسم الأسير عبد الله البرغوثي، صاحب أعلى مدة اعتقال في التاريخ والمحكوم بالسجن المؤبد 67 مرة و5200 عام، وهو معتقل منذ 5 مارس/ آذار 2003.

زيارة مقطوعة

وطوال فترة اعتقال "البرغوثي" حاولت عائلته مرارا وتكرارا زيارته من خلال وزارة الخارجية الأردنية، دون أي نتيجة، إلى أن طرق والداه سن الـ83 عاما، وأصبحا لا يستطيعان زيارته حتى إن وافق الاحتلال.

"لم أرَ مع والدتي أخي عبد الله منذ خروجه من الأردن قبل 20 عاما".. يتحدث شقيقه رائف لصحيفة "فلسطين"، مضيفاً عبر سماعة الهاتف: "إننا محرومون من زيارته، وهذا ما أثر على والديّ خاصة أمي التي تحن شوقًا لرؤيته".

بذرائع أمنية يستمر الاحتلال بمنع عائلة "البرغوثي" من رؤية نجلها وزيارته، مردفًا أن شقيقه الأسير الذي يعد رمزًا مقاومًا استغل مدة أسره بتأليف الكتب والدراسة بعدما أنهى الماجستير في التاريخ، في حين يحضّر الآن لدراسة الدكتوراه، والتفرغ للعلم.

وأشار إلى أنه في الفترة الأخيرة سمح الاحتلال للأسير البرغوثي، بعد إضراب الأسرى، كغيره من زملائه في السجن، بإجراء مكالمات هاتفية مع ذويه.

أما الأسير "مرعي"، فزيارة واحدة حظي بها والداه عام 2008، منذ اعتقاله في إبريل/ نيسان 2004، وقد تحققت بعد ضغط من أهالي الأسرى على وزارة الخارجية الأردنية.

وما إن كحلت عيونها بزيارة ابنها فارقت والدة مرعي الحياة، بعد تلك الزيارة "اليتيمة"، ليلحق بها والده عام 2011، ويومها كانت القضبان هي من تواسي أحزان الأسير "مرعي". يقول شقيقه شاهين وهو متحدث باسم لجنة أهالي الأسرى الأردنيين، لـ"فلسطين": "لقد رحل أبي بعدما وصل مراحل متأخرة مع مرض السرطان، وكان يمني نفسه برؤية ابنه الأسير مجددًا لكن دون استجابة".

وبعد محاولات العائلة انتزاع زيارة أخرى، أضرب شقيق الأسير 22 يوماً عن الطعام أمام وزارة الخارجية الأردنية في عمان، إلى أن سمح الاحتلال بزيارة أخرى لأفراد العائلة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، لشقيقهم الأسير.

وكان مرعي قد اعتقل بعدما ذهب لزيارة فلسطين المحتلة عام 1998، ولكن أحداث انتفاضة الأقصى منعته من العودة، فانخرط في صفوف المقاومة وكان قائداً لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في جنوب الضفة الغربية إلى أن جرى اعتقاله.

ويعلق شقيق الأسير على اعتقالات الاحتلال على معبر الكرامة بقوله: "إن المعبر أصبح مصيدة للأردنيين"، واصفًا ذلك بـ"العار" على الحكومة الأردنية، بأن يتم تحويل أي مواطن أردني للاعتقال الإداري، رغم أنها قامت بترحيل حارس السفارة الإسرائيلية الذي قتل أردنيين خلال يومين فقط وإعادته لدولة الاحتلال.

سابقة خطيرة

وكانت الفتاة الأردنية "اللبدي" متوجهة في زيارة عائلية برفقة والدتها لحضور حفل زفاف بالضفة الغربية تستغرق عدة أيام، حين أوقفها ضباط الاحتلال عند معبر الكرامة الفاصل بين الأردن والضفة الغربية، في 20 أغسطس/ آب الماضي، حيث بدت الأرض ضيقة على صدر تلك الأم آنذاك من هول الصدمة، إذ كان الاعتقال غير متوقع.

يقول شقيقها حاتم لـ"فلسطين": "إننا باستمرار نزور الضفة الغربية، وقد كان اعتقال هبة مفاجئا لنا، يومها انتظرتها أمي أكثر من 10 ساعات في القسم الأردني من المعبر، حتى وصلها نبأ الاعتقال".

دخلت هبة منذ اللحظة الأولى في إضراب مفتوح عن الطعام لمدة 28 يوماً؛ احتجاجا على اعتقالها الإداري ودون تهمة، وزاد شقيقها: "منذ اعتقالها لا يوجد أي نوع من التواصل معها، فقط ما نعرفه أنها موجودة بسجن الجلمة في عزلٍ انفرادي".

بنبرة صوت غاضبة عبر سماعة الهاتف، أضاف شقيقها: "لا نعرف كيف يتجرأ الاحتلال على اعتقال إنسانة بدون ذنب"، مشيرا إلى أن العائلة تتواصل يوميا مع وزارة الخارجية الأردنية لممارسة ضغط على الاحتلال، من أجل الإفراج عن شقيقته وإعادتها للأردن.

دون المستوى

من جانبه، يقول مقرر اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين في سجون الاحتلال فادي فرح، إن دور وزارة الخارجية الأردنية لم يرتقِ للمستوى المطلوب، إذ إن هناك 7 أسرى أردنيين محكومون بالمؤبد، وسبعة آخرين محكومون ما بين 15 إلى 36 عاما.

وأضاف فرح لـ"فلسطين": "لدينا أسرى مرضى، بالإضافة إلى قضية الاعتقال الإداري كما حدث مع الأسيرين اللبدي ومرعي، دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها كفتاة"، معتبرا ذلك سابقة خطيرة، لم ترتقِ ردة الفعل الأردنية لمستواها.

ولفت إلى أن الاحتلال يمارس الإهمال الطبي بحق أسرى يعانون مرض السرطان، منهم عمر عطاطرة المحكوم بالسجن 20 عاما، ومحمد الريماوي المحكوم بالسجن المؤبد الذي يعاني من ضيق التنفس وحمّى البحر المتوسط.

وأضاف أن الأسرى الأردنيين قاموا بواجبهم تجاه قضية الأمة بمساندة الشعب الفلسطيني وهذا حق كفله القانون الدولي، لافتا إلى أن معبر الكرامة أصبح مصيدة. وأكد ضرورة أن يكون هناك مساندة من الشارعين الفلسطيني والأردني حيال هذه القضية.

تطلعات الشارع

النائب الأردني سعود أبو محفوظ، يقول إن سفارة الاحتلال في عمان، التي جاءت نتيجة معاهدة "وادي عربة"، تحولت لمصيدة للشباب الأردني، مشيرا إلى أن هناك أوراقا كثيرة يمكن أن تستخدمها عمان لحماية مواطنيها.

وأضاف أبو محفوظ لـ"فلسطين": "لا يعقل أن يقوم الأردن بترحيل المجرمين الإسرائيليين الذين قتلوا أردنيين، وكأنهم فوق القانون، ولا تستخدم عمان أوراق القوة التي منها سحب السفير الأردني"، مشدداً على أن الشارع الأردني يقف موحدا حيال القضية وعلى الحكومة ترجمة تطلعاته.

وتابع: "كنائب، لا أقبل أن يتلخص الدور الأردني بما تقوم به وزارة الأوقاف الأردنية المترهلة، ولا بتعاطي الخارجية الأردنية مع قضية الأسرى".

وشدد على أن الحل يتلخص بقرار سياسي يرتقي لتطلعات الشعب، بعد أن امتهن الاحتلال الغطرسة، وأنه على الحكومة التصرف بما يمليه عليها الواجب وبما يتطلع إليه المجموع الوطني، والتي لا تقوم بترجمة قرارات مجلس النواب خاصة إلغاء اتفاقيتي "الغاز" و"وادي عربة".