لاقى تقرير مراقب دولة الصهاينة اهتماماً فلسطينياً لا يقل عن الاهتمام الإسرائيلي، ومصدر الاهتمام الفلسطيني بالتقرير لا يقتصر على قراءة تفاصيل الفشل السياسي والعسكري والأمني الذي يفضح وهن القدرات الإسرائيلية، بل تعداه الاهتمام لقراءة ردة فعل المجتمع الإسرائيلي، وردة فعل المجتمع الفلسطيني والعربي، وأثر ذلك على مستقبل الصراع بين الطرفين.
فمنذ صدور تقرير مراقب الدولة وحتى كتابة مقالي هذا، أجرت معي حواراً كل من فضائية الأقصى، وفضائية وطن، ووكالة قدس برس، وموقع عربي 21، وصحيفة الرسالة، وفضائية الإيمان، ووكالة قدس نت، حيث تمحور الحديث على المضمون السياسي والأمني للتقرير، وكيفية استخلاص العبر، وتسجيل الملاحظات التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1ـ في الوقت الذي حظي التقرير باهتمام الأوساط الشعبية والرسمية في (إسرائيل)، فقد تجاهلت القيادة الفلسطينية تقرير مراقب الدولة الإسرائيلية نهائياً، وهذا ما أغاظ الشعب الفلسطيني، ولا سيما أن التقرير لم يتطرق إلى المجازر التي اقترفها الجيش الصهيوني بحق 742 فلسطينياً قتلوا عمداً بشكل جماعي أثناء الحرب على غزة، فهل كان التقرير يتحدث عن شعب موزمبيق، ونيجيريا والبرازيل لتتجاهله القيادة الفلسطينية؟
2ـ في الوقت الذي اعترفت فيه (إسرائيل) بالفشل الفاضح لقدراتها، وما يعنيه ذلك من هزيمة، فإن القيادة الفلسطينية لم تستخلص أي عبرة من هذا التقرير، وهي الأحق بالوقوف على حقيقة الشعب الفلسطيني القادر على مواجهة الإسرائيليين، والقفز عن مقولة (لا حول لنا ولا قوة)، لذلك فإن التقرير لا يشهد على هزيمة الجيش الإسرائيلي، بل يؤكد على هزيمة رؤية القيادة الفلسطينية التي اختارت المفاوضات طريقًا وحيدة لحل الصراع مع العدو الإسرائيلي.
3ـ يفضح التقرير التخاذل الرسمي العربي والفلسطيني طوال 51 يوماً من العدوان على غزة، حيث تشير نتائج التقرير إلى التخبط العسكري الإسرائيلي، وهذا ما لم يتم استثماره من خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، التي قادتها شخصيات من حركة فتح وقيادة المنظمة.
4ـ يفضح تقرير مراقب دولة الاحتلال قادة الأمة العربية والإسلامية الذين قزموا إرادة الشعوب إلى حد الاستكانة للعدوان الإسرائيلي، في الوقت الذي كشف التقرير عن هشاشة الجيش الإسرائيلي الذي عجز عن مواجهة بضعة آلاف من المقاومين الفلسطينيين على بقعة صغيرة من الأرض الفلسطينية تسمى "غزة" تقع تحت الحصار من سنوات طويلة.
5ـ عدم ذكر كثير من الأحداث والوقائع في التقرير؛ أمثال وقوع عدد من الجنود الإسرائيليين في الأسر، ونتائج الحرب البرية الفاشلة، ونقص الذخيرة لدى أكبر جيوش الشرق، والإفراط في إطلاق الصواريخ والقذائف، كل تلك القضايا الحساسة التي وردت في التقرير، لم يتم نشرها، بناءً على تعليمات الأجهزة الأمنية، وهذه قضايا تحمل الكثير من الأسرار وخفايا الهزيمة.
6ـ أثار التقرير حالة من الفزع والخوف وعدم الثقة بالجيش الإسرائيلي، وقد تحركت مظاهرة نساء يصنعن السلام، وطالبن بالبحث عن حل سياسي، وعدم العودة للحرب والملاجئ والخوف ثانية، وهذا الذي حرك وزير الأمن الداخلي آريه درعي ليقول: تم استخلاص العبر، وتدارك الأخطاء، وهذا كلام يتناقض مع تصريح رئيس الدولة الذي يطالب باستخلاص العبر، ومثله فعل نائب مراقب الدولة، الذي استحث القيادة العسكرية والسياسية على عدم تكرار الخطأ.
7ـ حرص التقرير على تبرئة الجيش الإسرائيلي من تهمة التقصير، وذلك لأن الجيش هو العجل المقدس لدى الإسرائيليين، من هنا ألصق التقرير تهمة التقصير على المستوى السياسي، وعلى وزير الحرب ورئيس هيئة الأركان، في خطوة تحفظ للجيش مكانته في نفوس وعقل الجمهور.
8ـ كشف التقرير عن جهل المخابرات الإسرائيلية لما يجري تحت الأرض وفوق الأرض في غزة، وهذا يؤكد أن كتمان السر، ونقاء الصفوف من العملاء، هو مصدر قوة المقاومة الفلسطينية.
9ـ كشف التقرير عن تورط الجيش الإسرائيلي في حرب يجهل تفاصيلها، وهذا الذي جعل وزير الحرب الصهيوني موشي يعلون يقول: لولا وجودي ووجود رئيس الأركان بني غينتس لانتهت الحرب على غزة بكارثة كبرى على دولة (إسرائيل)!.
تصريح وزير الحرب السابق موشي يعلون يجيب على سؤال: هل من حرب جديدة على غزة؟
10ـ لن يعمد قادة (إسرائيل) إلى إسقاط الحكومة بسبب فشل الحرب على غزة، فهذا يمس بهيبة الجيش، ويضعف ثقة الشعب بقيادته في حرب قادمة، لذلك قد يعمد قادة (إسرائيل) إلى الإطاحة بحكومة نتنياهو في مرحلة لاحقة لأسباب تتعلق بالفساد.
وأخيراً: هل استخلصت (إسرائيل) العبر؟
الجواب: لا
فلو استخلصت (إسرائيل) العبر لفكت حصار غزة كي تتجنب حرباً جديدة! وذلك ما أشار إليه تقرير مراقب الدولة الذي اعتبر حصار غزة أكبر محرض على الحرب سنة 2014.