فلسطين أون لاين

​عاداتنا بين التمسك والتخلي

...
صورة تعبيرية
بقلم / هاشم السعودي

كلنا في هذه الحياة لنا عادات, عاداتٌ توارثناها عن آبائنا وأجدادنا والدليل في ذلك قوله تعالى: "إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مهتدون"؛ وعاداتٌ اكتسبناها وتعلمناها حتى صارت منا وصرنا منها دون وعيٍ أو بوعي، فكثيرة هي العادات التي نمارسها في حياتنا بقصد أو دون قصد كونها تشكل جزءًا كبيرًا منا وفينا، نمارسها دون أي تفكير، لمَ وكيف نمارسها؟ رُبما لأنها تشكلت في وعينا كسلوكٍ لا غنى عنه.

إذًا دعنا نتفق أن جميعنا لديه عادات مكتسبة وأخرى موروثة فيها الصالح الجيد والفاسد الرديء، وفيها ما يصلح لزماننا وما لا يصلح, لكننا نتمسك بها خشية أن يقال: "تخلى عن عادات آبائه وأجداده"؛ هذه الخشية هي التي قد تضعف شخصيتك، أو قد تسلبك تحقيق حلمٍ لطالما حلمت به.

كأن تتخلى فتاة عن دراسة الإعلام لأن أهلها أناس محافظون أو ملتزمون دينيًا ولا مجال للبنت بأن تدرس ذاك التخصص الذي قد يكثر فيه الاختلاط بالرجال، هذا التشدد لم يكن وليد اللحظة لدى الأهل وإنما هو عادة توارثوها من جيل لجيل فتمسكوا به.

أما عن العادات التي قد تتشكل لدى الفرد فإنها لا تتشكل بيوم وليلة ولا تولد لمجرد أنه أراد لها ذلك بل هي نتاج تكرار فعل تمارسه بشكل مستمر حتى تصير عادة لا يمكنك التخلي عنها, فتجد المدخن مثلًا قد تمسك بالتدخين حتى بعد أن أجرى عملية تبديل شرايين رئيسة؛ لأنه اعتاد تدخين كمٍ كبيرٍ من السجائر فأصبح عبدًا لعادته تلك، وقد تجد آخر لا يفارق الكُتب أبدًا لأنه ومنذ صغره يمسك الكتب ويقلبها حتى كبر وبيده الكتاب, فأصبح لا يمضي نهاره دون أن يقرأ شيئًا من تلك الكُتب.

إذًا فلنتفق عزيزي القارئ أنه بإمكانك أن تصنع لنفسك عادةً حسنة كانت أو سيئة فقط بالممارسة واستمرار فعلك لها على الدوام، فـــ(21) يومًا كفيلة بتحويل أي فعل عادي من مجرد فعل لعادة قد تصير جزءًا منك، 21 يومًا متواصلة يلزمك لتتخلى عن عادة أو تتمسك بأخرى.

قد يقول قائل أنا لدي عادة سيئة وكلما حاولت التخلص منها فشلت في ذلك واستمررت في فعلها، أقول لك هنا إنه بإمكانك التخلص من تلك العادة, فكما تعلمت عادة جديدة بالتمسك بها والمداومة عليها فإنه بإمكانك أيضًا أن تمارس ما هو ضد العادة السيئة باستمرار حتى تنساها, والدليل في ذلك قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"، وهنا قال الدكتور سلمان العودة في كتابه "زنزانة" عن العادة: (العادات هي مثل الثوب الذي نلبسه ولدنا من دونه وبإمكاننا تبديله).

أما على صعيدي الشخصي فقد وجدت أن أصعب المهام على النفس هي تغيير العادات أو تطويرها، كونها تحتاج جهدًا كبيرًا وعزيمة أكبر وإرادة قوية، فليس من السهل على الإنسان تغيير مفهوم ترسخ لديه على مدار سنوات طويلة أو فعل تأصل بنفسه منذ الصغر أو نظرة تشكلت لديه عن قناعة قد يراها هو صائبة مع أنه لو أعاد النظر فيها قد تكون خاطئة تمامًا، إذًا فالتغيير والتبديل يحتاج جهدًا وعزيمة وقبولًا لديك عزيزي القارئ كي تقول للعادات السيئة وداعًا.

في الآونة الأخيرة كنت قد عكفت على قراءة الكُتب لكني وكالعادة لا أكمل كتابًا قد بدأت به إلا وظهر لي كتاب آخر يجبرني على ترك ما بيدي والبدء بآخر أملًا في العودة له، فهنا أنا أسير عادة جيدة -القراءة- لكن تلك العادة بحاجة للتطوير والتعديل وبحاجة للدراسة كي أستقر على كتاب ابدأ به وأكمله حتى النهاية.

العادات كما قلت لك سابقًا منها المتوارث ومنها المكتسب بالتعليم والممارسة، أنت أيضًا يمكنك تعليم أطفالك عادات جيدة ومحو العادات السيئة لديهم إن تشكل لديهم عادات غير محمودة، وأنتَ أيضًا لديك القدرة على تعلم عادات حسنة ومحو تلك السيئة بممارسة الحسنة مرة بعد مرة، حينها ستجد نفسك قد خرجت من قيد زنزانة لفضاءٍ أكثر اتساعًا من ذي قبل، لكن ذلك يحتاج منك المبادرة والشجاعة الكافية.