ليس غريبا أن تتميز الجزائر بحمل راية أسرى الحرية في السجون الإسرائيلية، فتاريخها مع الحرية معروف ونبضها العالي لفلسطين لم يهن ولم يتراجع في أي لحظة، دوما كانت الرئة والقلب والروح ودوما كانت لفلسطين ، وكانت فلسطين كلمة السر التي بها يرتعش وجدان الجزائري فيحني قامته السامقة إجلالا واحتراما وعشقا وتقديسا لهذا الفلسطيني العابر للقلوب والأرواح، والجزائر كذلك شمس تشرق دفئا وضياء وتفرد كل أجنحتها ليستظل الفلسطيني بظلالها ولترتعش لها كل مكونات وجدانه عشقا وذوبانا بهواها الجميل التليد المتألق دائما.
الجزائر صنعت حريتها بيد أبنائها، ولأنها دفعت ثمنا باهظا معروفا فهي الاكثر معرفة وتقديرا لهذه القيمة العظيمة، نبضها يرتفع عاليا مع كل أحرار العالم ولكن لفلسطين قصة مختلفة، لذلك نجد نبضها ينبض بقوة لفلسطين بطريقة غير مسبوقة، وكذلك الفلسطيني للجزائر، فعندما يصنع الأحرار حرية في معتقلاتهم ويحولونها إلى معاقل لصناعة الأحرار فإن الجزائر تسارع ملبية هذا العشق، تتلاقى الأرواح وتأتلف لتخضب الحرية ذاتها والروح ذاتها.
تتحرك الجزائر بكل روحها ويبادر إعلامها الحر بحمل صوت أسرانا الأحرار ليجوب به العالم أجمع وليثبت أنه أكثر كفاءة وأعظم التزاما وأقدر منا جميعا على حمل الأمانة وتوصيل الرسالة، وهي بذلك تضرب مثلا على القدرة العالية على نفع أسرانا وإيصال رسالتهم للعالم أجمع، وتجسد نموذجا عمليا به يقتدي الناس وكل حرّ أراد أن يقدم شيئا لأسرى الحرية ولفلسطين.
ولم يكن هذا التفاعل المميز مع قضية أسرانا مجرد إسقاط للواجب أو حماسة لمناسبة موسمية يتحرك فيها الناس بل كانت عملا دؤوبا تراكميا دون انقطاع، جعلت من قضية الأسرى محورا مركزيا وشاهدا حيّا ومدادا منتشرا عبر الصحافة الجزائرية ، فوصلت رسالة أسرانا بأبهى صورها وأصدق معانيها ليكون الأمر على أفضل ما يتمنى أسرانا وكل أحرار العالم.
ماذا لو اشتغلت الصحافة العربية بكل دولها مثل هذا النموذج الجزائري؟ ماذا لو وجد أسرانا لصوتهم صدى في كل العالم العربي؟ سيرتفع أولا المنسوب المعنوي لأسرانا ثم سينتشر ذلك في دوائر إقليمية وعالمية بشكل كبير، وسيعلم العدو أن لأسرانا وزنا ولن يجرؤ على الاستخفاف بهم وبحقوقهم، وسيعلم حينها أن مقابل كل معاناة أو شعور بالقهر والظلم لأسرانا هناك ضرر يقع على الصورة العالمية التي يصنعها المحتل لنفسه، سيدفع هذا الاحتلال الجلاد ليعيد حساباته وليزن خسارته عند كل ضربة لسياطه وعند كل ألم يحدثه لأسرانا. بداية هذا العام على سبيل المثال قمعت سلطات الاحتلال بشكل غير مسبوق الأسرى في سجن النقب واستخدمت قوة مفرطة بطرق مختلفة من مدافع للرصاص المعدني وضرب بالعصي الحديدية على الرؤوس حتى امتلأت ساحات السجن بدماء أسرانا بطريقة مريعة سادية لم تراعِ إعلاما ولا رأيا عالميا، وهذه لم تحظَ إلا بتغطية إعلامية محلية وجزائرية نستطيع القول إنها كانت نوعية، وسوى ذلك كانت شذرات لا تذكر هنا وهناك ، الأمر جد كان خطيرا ولم يجد إعلاما ما يرتقي لمستواه، لذلك لا بد لنا من الاستفادة من التجربة الجزائرية ونعتمدها نموذجا يستحق العمل على تعميمه، وهذه دعوة لكل السفارات الفلسطينية لأن تحذو حذو هذه التجربة الجزائرية الرائدة. إنها الحرية التي لا ينتجها إلا الأحرار هنا في السجون حيث أحرارنا وهناك في الجزائر حيث الأحرار الذين لا تنبض قلوبهم إلا حرية ومجدا وعزة وكرامة.