كان يا ما كان في قديم الزمان والأوان قاضٍ اسمه ريتشارد غولدستون، كان يُعد مفخرةً من مفاخر الكيان العبري في العالم، فهو رئيس لجان تحقيق في جرائم الحروب بالعالم، كان عضوًا في مراكز القانون والحقوق، كان تاجًا على جبين يهود العالم، لا يُلفظ اسمه إلا بعد "القاضي اليهودي".
ظلَّ اسمه القاضي اليهودي إلى أن وقع في مصيدة ضميره الحي؛ فقاد فريقًا أمميًّا للتحقيق في جرائم الكيان العبري في عدوانه على غزة 2008-2009م، أصدر خلاصة تقريره، بعد أن شاهد الحقائق، فأدان بخجل شديد جرائم الكيان، قال: "إن ما فعلته (إسرائيل) في غزة يصل إلى مرتبة جرائم حرب".
بعد هذه الخلاصة الخجولة جدًّا أصبح غولدستون مُطارَدًا من الكيان العبري، نزعوا عنه أولًا اسم القاضي اليهودي، أعادوه إلى موطن إقامته لا عرقِه اليهودي، فصار اسمه بعد التقرير: "القاضي الجنوب إفريقي".
حاصروه، ثم عزلوه في وسط جاليته اليهودية، في جنوب إفريقيا، ومنعوه من حضور حفل تدشين حفيده في الكنيس، ثمَّ أجبروه أن يسحب تقريره، ويعترف بـ"خطئه"، نفذَ كلَّ ما طلبوه منه، ولكنهم لم يغفروا له خطاياه في حق "الدولة الأسطورية" (إسرائيل)، فانزوى، ثم انطوى، ثم أصيبَ بمرضٍ نفسي، ولم يُعثر له على أثر حتى كتابة هذا المقال.
كذلك فعلوا مع الكاتب الفرنسي المشهور روجيه غارودي، الذي فضح عمليات نسج الأساطير الصهيونية، وشكَّك في أرقام ضحايا (الهولوكوست)، فحاكموه في بلده، وحكموا عليه بالسجن في بلده فرنسا بتهمة التشكيك في المحرقة النازية عام 1998م، مات رجاء غارودي، ولم يعرف خبر موته سوى قليلين عام 2012م.
أما الصحفية التسعينية هيلين توماس التي عاصرتْ عهدَ عشرةِ رؤساء أمريكيين، وكانت من أبرز الصحفيين في العالم؛ فقد أرغم اللوبي الصهيوني الرئيسَ الأمريكي السابق أوباما على طردها، لأنها قالت في مقابلة صحفية: "على الإسرائيليين أن يعودوا إلى البلدان التي رحلوا عنها، ويتركوا فلسطين لأهلها".
إليكم نماذج أخرى لفنانين وصحفيين مُطاردين من الاحتلال الإسرائيلي:
رسام (الكاريكاتير) البريطاني جيرالد سكارف ارتكب كذلك جريمة في حق الكيان العبري، حينما رسم في صحيفة (صاندي تايمز) 2013م صورة لنتنياهو يبني جدارًا عنصريًّا، مستخدمًا الإسمنت الأحمرَ بلون الدم الفلسطيني، أما حجارة جدار الفصل العنصري فهي من أجسادهم، أجبر اللوبي الصهيوني مالك الصحيفة روبرت مردوخ أن يعتذر، ويضع حدًّا لجرأة سكارف.
أما أشهر رسامي (الكاريكاتير) في العالم الرسام الفرنسي في صحيفة (لوموند) جين بلانتو فهو منذ أكثر من عامين تحت الأنظار، يعاني من المطاردة، لأنه "أخطأ" فرسم (كاريكاتير) يُعبِّر بدقِّةٍ عن واقعنا، رسم جنديًّا صهيونيًّا يصوب بندقيته نحو الأطفال الفلسطينيين، يلتصق بالجندي الصهيوني أصولي، حريدي، يهودي متزمت، يحثُّ الجنديَّ على إطلاق النار بسرعة، وهو يحمل في يده حقيبة مكتوبًا عليها: "مستوطنة جديدة".
أين الصحفي السويدي دونالد بوستروم، الذي كتب مقالًا يتهم فيه الجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين وبيعها في أسواق تجارة الأعضاء العالمية؟!، طاردوه إلى أن أدخلوه في حظيرتهم من جديد.
ما آخر أخبار وزيرة خارجية السويد مارغوت وولستروم، بعد أن تجرأت وانتقدت "الدولة المقدسة في العالم" (إسرائيل)، نقدًا عاديًّا، فقالت: "إن القهر والظلم الاحتلاليين دفعا الفلسطينيين إلى اليأس والتطرف، وإن قتل الاحتلال للفلسطينيين غير قانوني"؟، انتفضَ اللوبي الإسرائيلي، ورفض نتنياهو استقبالها، عندما زارت بلادنا 2016م.
أخيرًا، هل نجاحُ الكيان العبري في إخفاء كلِّ هؤلاء يعودُ إلى سطوته، وقوته، ونفوذه، أم أنَّ نجاحه يعود إلى تأثيره على منابر الإعلام في العالم، أم أنه يملك خطة للمتابعة، والرصد، عبر لوبياته المنتشرة في كل دول العالم، أم أنَّ نجاحه في مطاردة منتقديه يعودُ إلى ضعفِ خصومه، وشرذمتهم، وانقسامهم، وعدم وجود خطةٍ لديهم للمتابعة، ومواجهة تلك المُخطَّطاتِ؟