حتى وفاته، عانى الأسير المحرر هشام مقداد حالة نفسية واقتصادية صعبة، منذ أن قطعت السلطة في رام الله راتبه، لكن فصول المعاناة لم تنته إلى هذا الحد.
وصعدت روح مقداد إلى بارئها أخيرًا، في إثر معاناته مرضًا عضالًا رافق إجراء السلطة بحقه قبل عام، دون أن تفلح كل محاولاته ومناشداته لإرجاع راتبه.
وقطعت السلطة في رام الله مطلع العام الجاري رواتب نحو 1100 جريح فلسطيني و400 أسير و1668 شهيدًا، جميعهم من قطاع غزة.
وتعيش عائلة المحرر المتوفى مقداد في ظروف مادية قاسية، وفق قول نجله محمود، الذي يؤكد أن الحالة النفسية لأبيه كانت قد تدهورت لشعوره بظلم حركته فتح له وعدم تقديرها تضحياته، إذ أسره الاحتلال الإسرائيلي في انتفاضة 1987م ثم أعاد أسره وشقيقه يوسف في 2002م في إثر اجتياح حي "تل الهوا"، ليفرج عن هشام في 2010م، ولا يزال يوسف يقضي حكمه البالغ 21 سنة.
ويوضح أنه قدم أربعة تظلمات لـمكتب "هيئة شئون الأسرى" التابع لـ"منظمة التحرير" دون جدوى، أكد فيها أنه لا يتلقى هو أو والده أي راتب من أي فصيل فلسطيني آخر، وكانوا يخبرونه في كل مرة أن الأمر لا يخصه وحده بل شمل مجموعة من الأسرى، مشيرًا إلى أن عمه تدخل من داخل الأسر محاولًا إرجاع راتب شقيقه دون جدوى.
يقول محمود: "عمي الأسير كان يبكي حرقة على حال والدي المريض، لعجزه عن مساعدته".
"تحت الصفر"
ويبين مقداد أن وضع العائلة المالي منذ قطع راتب والده أصبح تحت الصفر، وزاده سوءًا مرض الوالد قبل وفاته بالسرطان، إذ تطلب الأمر كثيرًا من التكاليف المالية، واضطر للسفر إلى جهورية مصر العربية للعلاج، وتوجه إلى الضفة الغربية أربع مرات للغرض نفسه، إذ باع أهل المنزل كل مصاغهم الذهبي واضطروا إلى الاستدانة لتغطية التكاليف.
ويضيف: "ها أنا أكلمكم وأنا أحبس نفسي في منزلي لا أستطيع مواجهة المعزين لعجزي عن توفير تكاليف العزاء، فوالدي هو مَنْ زوجني وهو مَنْ كان ينفق علي وعلى زوجتي وابني، وكان قد افتتح لي بقالة صغيرة لأعتاش منها، خسرتُ رأسمالها للإنفاق على علاج والدي".
ويتابع: "لي ثلاث شقيقات متزوجات، وشقيقة رابعة لم يستطع أبي أن يلحقها بالجامعة في إثر قطع راتبه، هي وشقيق آخر لي اكتفيا بدراسة الدبلوم، ولم يستطع شقيقي الأصغر الذي أنهى الثانوية العامة العام الفائت الالتحاق بالجامعة نهائيًّا لضيق الحال".
"قضى والدي في المستشفى ثمانية أشهر، كنا نحرم أنفسنا في المنزل الطعام والشراب مدة خمس أو ست أيام متتالية لنوفر مصاريف مَن يرافقونه" والحديث لمحمود.
ويشكو أن "أبناء جلدة" أبيه (في إشارة إلى منظمة التحرير) لم يقدروا تضحياته، إذ خرج من الأسر بعين واحدة، وقدم شبه مشلولة.
ويكمل محمود: "لم يكن لنا مصدر دخل سوى راتبه، وتضاعفت معاناتنا بعد قطعه بسبب مرض الوالد، إذْ تكبدنا كثيرًا من الديون"، معبرًا عن ألمه لما أصاب والده من "قهر" قبل وفاته، وتخوفه من أن تستمر المنظمة والسلطة في قطع راتبه ومستحقاته، لما من شأنه أن يزيد معاناة الأسرة.