رفضت أن أصافحهم في البداية، إنهم جنود إسرائيليون بكامل هيئتهم وسلاحهم وخوذتهم، وحتى في صلفهم وغرورهم، جنود إسرائيليون وسط حشد من الممثلين والمصورين لمسلسل تعد فضائية الأقصى حلقاته الثلاثين للعرض في شهر رمضان، تحت مسمى "القدس بوابة السماء".
في المسلسل ينقض المقاوم الفلسطيني على أحد الجنود الإسرائيليين الذي يتحرك في طريق السلسلة في القدس، يطعن المقاوم الفلسطيني الجندي الإسرائيلي، قبل أن يأخذ وضع الاستعداد، ويشرع في إطلاق النار على بقية الجنود، الذين أربكتهم المفاجأة، فراحوا يطلقون النار على المقاوم الفلسطيني، وفي كل اتجاه، كان المشهد مؤثراً، وقد تفاعل مع أحداثه مساعد المخرج الفني في فضائية الأقصى سعدي العطار، فراح يصدر التوجيهات للممثلين بانفعال وعصبية.
كان المشهد أقرب إلى الحقيقة منه إلى التمثيل، فقد عشت دقائق من التوتر المرهق، قبل أن يأخذني زهير الإفرنجي مدير قسم الفنون في فضائية الأقصى بجولة في مدينة القدس، وداخل طريق السلسلة التي أقامتها الفضائية بالتفاصيل الدقيقة، إنها القدس كما نعرفها، بشوارعها وقبابها ومداخلها وأسوارها، هذا ما شيدته فضائية الأقصى في سوافي رمل خان يونس، حيث أقامت بوابة السلسلة ذاتها، وفتحت المحلات التجارية التي تحاكي محلات باب السلسلة، وشيدت البيوت، والجدران، وأعدت الأرصفة الصخرية التي تحاكي طريق السلسلة، وظهرت النباتات الجبلية التي تنمو بين الصخر، بما في ذلك الرطوبة التي تغطي بعض الحجارة المنحوتة من الصخر.
حين تلمست بيدي جدران المباني الصخرية المشيدة، وشاهدت بأم عيني إحدى لقطات الحلقة عشرين، خطر في بالي السينما العربية التي نسيت فلسطين، وتجاهلت مأساة شعب شرد من أرضه، فأين هم المخرجون والممثلون والمبدعون من أحداث جسام تجري على أرض فلسطين؟ لماذا لا تجاري المسلسلات العربية ما يجري على أرض الواقع في أرض الرسالات، فهنا المواجهات والصدامات، وهنا القتل بدم بارد، وهنا المقاومة الفلسطينية التي ترفض الاستكانة.
ورغم قلة الموارد الإمكانيات، فإن فضائية الأقصى تسجل نجاحاً ثانياً في إنتاج المسلسلات الوطنية الملتزمة، فقد سبق وأن أبدعت في إنتاج مسلسل "الفدائي" الذي حظي برضا وإعجاب الشعب العربي كله، واليوم تنتج الفضائية مسلسلها الثاني الذي لا يقل إبداعاً وفنية عن مسلسل الفدائي، وذلك كله بجهد شبابي سيخطف الاهتمام عن عشرات المسلسلات التي تعدها فضائيات مأجورة، تسعى إلى إفراغ المواطن العربي من انتمائه لوطنه ووفائه لشعبه.