ماذا بعد
لا يمكن الفصل بين اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر وبين التطورات الأخيرة في شمال سوريا، فالانسحاب الأمريكي المفاجئ من المنطقة، رسالة تقلق إسرائيل بالقدر نفسه الذي تقلق الأكراد، وتطور الأحداث يشير إلى جملة من المتغيرات التي تلتقي معها وتفترق كل من تركيا وإيران وروسيا، وقد ظهر ذلك جليًا من خلال تصريحات روسية تحذر من تداعيات العملية التركية في شمال سوريا، والتي كانت سببًا لاتصال هاتفي بين بوتين ونتنياهو.
هذا زمن جديد من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، زمن تتصادم فيه المصالح بين قوتين إسلاميتين ناهضتين في المنطقة، وتتوافق فيه الرؤية ضد اليد الإسرائيلية التخريبية في المنطقة نفسها، وإذا كان الاجتماع الوزاري الإسرائيلي المفاجئ قد ناقش سبل مواجهة هجوم إيراني محتمل على منشآت إسرائيلية حساسة، إلا أن الهجوم التركي الوشيك شمال سوريا ليس بعيدًا عن المشهد الإسرائيلي، الذي بات قلقًا من النهوض الإسلامي بشكل عام، ومن المعطيات الميدانية التي تشير إلى انقشاع غيمة الهيمنة الإسرائيلية، ليجلو وجه الشرق مضيئًا بالثقافة والتطور الحضاري، القادر على إبطال السحر الإسرائيلي الذي عرقل خطوات النهوض، وكبل المنطقة العربية لسنوات بأوهام الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، فإذا به يقهر وفق اعترافات رئيس الأركان الإسرائيلي السابق جادي آيزنكوت الذي قال: إسرائيل تبني سرًّا قدرات تستند إلى مبادئ الردع، والتفوق الاستخباري والدفاع، وبدل مصطلحي الحسم والانتصار نستخدم مصطلحًا آخر وهو "الرد الشديد".
لقد انتهى زمن الحسم والانتصار الإسرائيلي، واكتفى رئيس الأركان باستحضار زمن الرد الشديد، وهذا الرد الإسرائيلي الشديد ليس جديدًا على المنطقة العربية التي عاشت عشرات السنين من الإرهاب الإسرائيلي دون رد فعل عسكري عربي متكافئ ومتوازٍ مع الفعل العدواني الإسرائيلي الشديد، وظلت خاصرة إسرائيل الرخوة في منأى عن الخطر رغم عدة حروب خاضها العرب، كان آخرها حرب 1973، تلك الحرب التي لم يقصف فيها قلب إسرائيل برصاصة واحدة، في الوقت الذي قصفت فيها مدن عربية تاريخية بالصواريخ.
اليوم تقف دولة العدوان الإسرائيلي أمام زمن جديد، زمن انتهى فيه الحسم والانتصار الإسرائيلي السريع، حتى أضحت غزة، والتي تعد أصغر بقعة على وجه الأرض تقاتل إسرائيل، بل وأصبحت تتحداها، لتتراجع إسرائيل عن عدوانها، بعد المشاورات الأمنية التي شارك فيها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ورئيس الشاباك، ورئيس الموساد، ورئيس مجلس الأمن القومي، والمستشار القضائي للحكومة، ورئيس لجنة الانتخابات المركزية، لينتهي الاجتماع بقرار أمني يحذر القيادة السياسة من خطورة أي عدوان جديد على قطاع غزة، مع الدعوة لعقد المجلس الوزاري المصغر لمناقشة أي خطوة عسكرية.
حقائق غزة التي فرضت نفسها ندًّا، وحقائق الجنوب اللبناني الذي يقف صخرة في وجه العدوان، وحقائق الهجوم الصاروخي المحتمل على إسرائيل، والذي يشبه الهجوم الصاروخي على مواقع أرامكو في السعودية، والتطورات في شمال سوريا، كل ذلك استدعى انعقاد المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل، فالتطورات الميدانية لا تحتمل الانتظار، والمفاجآت أكبر من التوقعات، وعدوى الخوف الإسرائيلي إذا سرت في الجسد المرتجف كفيل بتفكيك مقومات وجود هذه الدولة؛ التي عاشت لعشرات السنين على فزاعة الجيش الذي لا يقهر.
المتغيرات السريعة في المنطقة فرضت على صحيفة يديعوت أحرونوت أن تطرح السؤال التالي في افتتاحيتها قبل يومين، فقالت: هل نحن جاهزون للحرب على عدة جبهات؟ هل سنصمد أمام ضربات طويلة؟ هل سنصمد أمام الضربات الدقيقة المحطمة للمعنويات، في مواقعنا الحساسة؟
لقد انتهى زمن الحسم السريع على جبهات الأنظمة العربية الهشة، وانتهى بذلك زمن الانتصارات الإسرائيلية الزائفة.