فلسطين أون لاين

​لا بد من استشعار مراقبة الله

الوحدة والعزلة تمهدان الطريق لارتكاب المعاصي

...
صورة أرشيفية
غزة/ هدى الدلو:

يغرق الكثير من الشباب في وحل الوحدة والعزلة، وقد يكون سببها الهروب من الواقع الأليم، وتعدان من أخطر الأمراض التي يصاب بها الشباب المسلم، ولذلك فما هي الأسباب؟ وكيفية علاجها؟.

قال د. عبدالله أبو عليان، محاضر بكلية الدعوة الإسلامية: "تكاد تكون الأسباب التي تدفع الشباب إلى العزلة والوحدة كثيرة، منها ما يتعلق بأسباب دينية ونفسية واجتماعية وسياسية، كل هذه العوامل تتوافر وتجتمع لتجعل الشاب يصاب بخيبة أمل وحالة إحباط، يفضل العزلة على الاندماج والخلطة".

وأوضح أن من الأسباب التي تدعو إلى ذلك عدم تعرف الإنسان على ربه حق المعرفة في الدنيا فإنه يشعر بفراغ قلبي، وعجز داخلي، فقال الله في كتابه الحكيم: " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"، فالضنك الذي يحياه بسبب المعاصي والذنوب والإعراض عن الله قد يورث العزلة، ولهذا قالوا لو لم يكن للمعاصي عقوبة سوى ظلمة القلب لكان ذلك كافيًا، فإذا أظلم القلب ولم ير الإنسان فسحة في الأمل ورغبة في الحياة فإنه يؤثر الانفراد والعزلة على الاندماج والخلطة.

وأضاف د. أبو عليان: "عدم وجود أهداف للشخص، فمن يكون له أهداف فإنه سيتحرك ويسعى إلى تحقيقها ويعمل على إنجازها ليرى أفكاره واقعًا محققًا، أما من ليس له هدف أو غاية ولا رسالة ولا رؤية في الحياة فإنه ينطوي على نفسه فيصاب بالإحباط والعزلة".

ومن الأسباب التي تؤدي أيضًا إلى الوحدة، لفت إلى عدم وجود أعمال ينشغل الإنسان بها، لذلك قالوا: "النفس إن لم تشغلها بالحلال شغلتك بالحرام"، فإذا كان عند الإنسان فائض وقت ولم يشغله فإنه يميل إلى المعاصي، وصاحب المعصية يؤثر ويفضل الانفراد والوحدة حتى لا تنكشف أسراره ويهتك ستره.

مِنْ كَلامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي الْعُزْلَةِ، قَالَ: "نِعْمَ صَوْمَعَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ بَيْتُهُ، يَكُفُّ لِسَانَهُ، وَفَرْجَهُ، وَبَصَرَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَمُجَالَسَةَ الأَسْوَاقِ، تُلْهِي وَتُلْغِي" .

قد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أيما أفضل للسالك العزلة أم الخلطة؟ وإذا قدر أحدهما، فهل يكون ذلك على الإطلاق أم وقت دون وقت؟، فأجاب: "هذهِ "الْمَسْأَلَةُ" وَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا؟ إمَّا نِزَاعًا كُلِّيًّا، وَإِمَّا حَالِيًّا؛ فَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ: أَنَّ "الْخُلْطَةَ" تَارَةً تَكُونُ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً، وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْمُخَالَطَةِ تَارَةً وَبِالِانْفِرَادِ تَارَةً"، وَجِمَاعُ ذَلِكَ: أَنَّ "الْمُخَالَطَةَ" إنْ كَانَ فِيهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَهِيَ مَأْمُورٌ بِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان، فَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا".

أما كيفية علاج الوحدة والعزلة، فأضاف د. أبو عليان: "فليعلم الإنسان ابتداء أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس بمعايبهم وما فيهم من نقص، ومع ذلك فإن الخلطة بهم ومعاشرتهم والتعامل معهم تبقى أفضل بكثير من الانعزال عنهم، لأن من ييأس من الناس ويفقد الأمل فيهم لا يفضل التعامل معهم".

وبين أن ذلك يدفع نحو معالجة ظاهرة الوحدة أن يشعر الإنسان أن الله سبحانه وتعالى خلق المسلم ليكون قليلا بنفسه كثيرا بإخوانه اجتماعيا بطبعه، لذلك قال صلى الله عليه وسلم " الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يتحمل أذاهم"، ولذلك قال علي رضي الله عنه: "كدر الجماعة خير من صفو الفرد"، فأن يكون الفرد هادئًا صافيًا فيكون في مرتبة دون الذي يكون مع الجماعة والمجتمع وإن كان في ذلك تكدير لصفوه ومجلبة لأحزانه.

ومن الطرق المهمة في علاج المشكلة، أكد أهمية اغتنام الوقت وأن يكون للإنسان رسالة في الحياة، وإن لم يكن له رسالة فسيعيش هائمًا في الحياة، فقال الله عز وجل: " أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"، فليكون أسمى غاياته كسب رضا الله.

ولفت إلى ضرورة استشعار الإنسان دوام مراقبة الله له، فمن يريد أن يعصي فإنه يغيب عنه أن الله رقيب ومطلع عليه، ويقول الإمام الشافعي: "أعز الأمور في ثلاثة الجود في القلة، والورع في الخلوة، وقول الحق عند ذي قوة"، والورع في الخلوة إذا خلا الإنسان مع نفسه، عليه أن يستشعر بأن في السماء رقيبا عليه "فإذا خلوت الدهر يومًا فلا تقول خلوت ولكن قل علي رقيب" لذلك فإن الخلوات رافعة خافضة، رفعت رجلًا ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، وخفضت رجلًا إذا خلا بمحارم الله انتهكها.

ونبه د. أبو عليان إلى أن علاج هذه المشكلة يقع أيضًا على الأسرة التي تغرس بذور الألفة والخلطة والاجتماع فإن هذا ينشئه تنشئة اجتماعية، والدور الثالث يقع على البيئة الاجتماعية فعليهم ألا يتركوا الشخص منعزلًا وحده وانما يحاول برفق ولين الدمج مع الآخرين، وعلى الدولة مسئولية كبيرة من خلال إطلاق مبادرات وفعاليات تستقطب الشباب، وانعدام فرص العمل لا يسوغ للشباب اللجوء إلى العزلة.