الاتحاد الأوروبي من ناحية عملية يواصل تقديم الدعم المالي لوكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين (أونروا)، وكان الداعم الأكبر خلال العامين الحالي والماضي.
لقد حاولت بعض القوى الأوروبية المتطرفة اتخاذ قرار بتخفيض الدعم الذي يقدمه الاتحاد الاوروبي إلى وكالة أونروا بذريعة وجود فساد مالي، ولكن لجنة الموازنة في البرلمان الأوروبي رفضت ذلك، وأكدت التزام الاتحاد بالمكانة القانونية للوكالة، وضرورة استمرار دورها وفقًا لقرار الأمم المتحدة بإنشائها إلى حين حل قضية اللاجئين وفق القرارات الدولية.
الموقف الإيجابي الثاني أعلنته مبعوثة الاتحاد الأوروبي للسلام بالمنطقة سوزانا تريستال، خلال جولة ميدانية في مناطق مختلفة بالضفة الغربية، وقد رافقها رؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي، إذ أعلنت التأييد لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والتطور في حدود حزيران ١٩٦٧م وتكون ذات سيادة على الأرض كاملة، في إطار حل الدولتين، وأكدت تريستال مجددًا أن الاستيطان والمستوطنات القائمة غير شرعيين.
وعن تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو بنيته ضم الأغوار قالت: "إن هذا أمر مرفوض لأنه يعني قضم نحو ٦٠٪ من أراضي الضفة والقضاء على حل الدولتين".
وأشارت ترستيال إلى أنها تلتقي باستمرار المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكنها تفضل الجولات الميدانية لمشاهدة الناس ومعاناتهم والاستماع إلى مطالبهم.
وأكدت أن ما نشاهده على الأرض يعرقل إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المطلوبة، خاصة الهدم المتواصل للمنشآت والمنازل، وكذلك صعوبة -إن لم يكن استحالة- وصول الفلسطينيين إلى مصادر المياه التي هي جزء وشريان رئيس للتطور والاستقرار.
لا بل أكثر من ذلك، لم يتوقف موقف الاتحاد الأوروبي عند تقديم الدعم المالي، بل يرفض مخططات الاستيطان أو مصادرة الأرض، ويدعو إلى دولة فلسطينية في حدود ١٩٦٧م، وهذه مواقف مهمة تساعد شعبنا على الصمود والعمل من أجل تحقيق الاستقلال، لكن –يا للأسف- يبقى هذا الموقف ضعيفًا سياسيًّا، منذ سبعينيات القرن الماضي الاتحاد الأوروبي يعتمد على سياسة ومبدأ: أنا أعلن، أنا أُمول، إذًا أنا موجود، ومازال عملاقًا اقتصاديًّا وقزمًا سياسيًّا، قزمه مسؤولوه وآلياته.
ومع التصريحات الأوروبية "المتقدمة" تجاه القضية الفلسطينية الاتحاد الأوروبي لم ينتقل بعد من سياسة الإعلانات والوعود إلى سياسة التطبيق الفعلي لسياساته وإعلاناته على أرض الواقع، ولم تستطع أوروبا عمليًّا تنفيذ سياساتها وبياناتها على الأرض، أو تحقيق أي نفوذ سياسي على أطراف الصراع.
لقد نجح الاتحاد الاوروبي في التدخل إيجابيًّا في بعض الأزمات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كحادثة كنيسة المهد واتفاقية الخليل، لكنه الاتحاد لم ينجح في تنفيذ بياناته وسياساته بشهادة مسؤوليه؛ فلا الدولة الفلسطينية الموعودة أُقيمت، ولا توقف الاستيطان، ولا توقفت السياسات الإسرائيلية الأحادية الجانب في القدس، بل على العكس تعايشت (إسرائيل) والانتقادات الأوروبية اللفظية، ولم ينجح الاتحاد في الحصول على أي ثمن سياسي يلبي طموحاته ويناسب دعمه المالي لعملية السلام، ومازال دوره مقتصرًا على دور الممول الذي يحاول شراء السلام بالمساعدات المالية والتقنية.
وفيما يتعلق بالعلاقات الأوروبية الإسرائيلية أعتقد أن دول الاتحاد تدرك أنها لا تستطيع الذهاب بعيدًا في معاقبة (إسرائيل) على سلوكها العنيف مع الفلسطينيين، وعلى تدميرها بنيتهم التحتية التي بنيت بأموال دافعي الضرائب الأوروبيين، رغبة في الحفاظ على شعرة معاوية معها، لإدراكها أن الانتقاد المفرط قد يحرمها أي دور مستقبلي في المنطقة.
حتى لو ثبتت اتهامات الفساد فإن أوروبا لن تستطيع وقف مساعداتها لأي طرف، لإدراكها أولًا أن خطوتها تعني فقدانها مكانها على طاولة المفاوضات المُغيبة أصلًا عنها، ثانيًا وقف المساعدات يعني انهيار الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وبذلك تنهار عملية السلام، وهو ما يعني تنامي الإرهاب ووقف التعاون لقمعه، وأخيرًا وقف المساعدات يعني فقدان الإحساس بالراحة النفسية التي تمنحها المساعدات الأوروبية لصناع القرار الأوروبيين الذين وجدوا فيها ضالتهم في تعويضهم عن عجزهم السياسي.
حتى توصيات البرلمان الأوروبي تؤكد أن غالبية الشعوب الأوروبية مؤيدة للحقوق الفلسطينية، ولكن لافتقار البرلمان للصلاحيات تبقى توصياته استرشادية ليس إلا، في حين قرارات المفوضية براجماتية منفعية إلى حد ما وتحاول بها مراعاة مصالح الاتحاد ومصالح الدول الأعضاء.
نثمن موقف الاتحاد الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، لكن المطلوب الأهم هو ضغطه العملي الاقتصادي والسياسي على (إسرائيل) من جهة، وعلى الإدارة الأمريكية من جهة أخرى، لتحقيق ما يدعى إليه من ناحية عملية ووقف الاستيطان ومصادرة الأرض وهدم المنازل، وكل ما يمارسه الاحتلال ضد البشر والشجر والأرض, ونطالبه باستعمال جميع أوراق الضغط التي يملكها لتطبيق القرارات الدولية، ومنها القرار رقم (194) الاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.