من اعتقال لآخر، ومن سجن لسجن، عرفته القضبان الإسرائيلية أكثر مما عرفته الحياة في الخارج، لم يكمل الثالثة عشرة من عمره حتى بدأت أولى محطاته مع الاعتقال لدى الاحتلال الإسرائيلي، ظل قلبه يغفو على حلم الحرية، تتوق نفسه إلى إشراقة شمسها بين أحضان والدته، ولكن مع كل إفراج جديد كان الأسير إسماعيل علي (31 عامًا) على موعد مع اعتقال جديد.
استمر اعتقال "علي" لأول مرة لمدة ثلاثة أشهر وبعد ثلاثة أعوام اعتقله الاحتلال لعامين، لم يلبث بعد تحرره خارج أسوار الأسر سوى عام حتى أعاد اعتقاله وحكم عليه بالسجن ستة أعوام أمضى منها ثلاثة وأفرج عنه في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011م، قبل أن يعيد الاحتلال اعتقاله لثلاث سنوات أخرى وأفرج عنه، لكنه أعاد اعتقاله قبل عام إداريًّا وما زال يقبع في السجون حتى اللحظة.
هكذا قتل الاحتلال فرحة كان ينتظرها ببناء أسرة مع شريكة العمر، باعتقاله ستة أشهر إداريًّا، وقد أبي أن تتم الفرحة فأعاد اعتقاله إداريًّا قبل عام لمدة ستة أشهر أخرى، ففرق شمل العروسين عن بعضهما بعضًا، وانفسخ عقد القران، ليقرر الأسير خوض إضراب مفتوح عن الطعام منذ 74 يومًا رافضًا هذا الإذلال الذي يتعرض له.
مذكرة استدعاء
تقول شقيقته أحلام لصحيفة "فلسطين": "قبل آخر اعتقال أرسل الاحتلال مذكرة استدعاء لمقابلة مخابراته، لكن أخي خشي أن يكون هدفها إعادة اعتقال، فقرر عدم الذهاب واختفى عن الأنظار، وظل مطاردًا لمدة شهر، لكن مع كثرة تواجد قوات الاحتلال في بيتنا وضرب إخوتي في كل مرة يأتونا فيها إلى البيت بمنطقة أبو ديس شرق القدس المحتلة، قام أخي بتسليم نفسه".
انتهت الشهور الستة الأولى في الاعتقال الإداري، اعتقد إسماعيل أنه على موعد جديد مع الحرية، لكن حدث ما لم يتوقعه.. قام الاحتلال بتجديد اعتقاله. تضيف شقيقته: "أضاع الاحتلال فرحته بالزواج، وعلى إثر اعتقاله فسخ عقد القران، وأمام حالة القهر المتكررة قرر شقيقي الأسير خوض إضراب مفتوح عن الطعام منذ اليوم الأول لدخوله في الاعتقال الإداري الثاني لستة أشهر أخرى".
بعد 17 يومًا من الإضراب عن الطعام، كانت العائلة على تواصل مع ابنها الأسير كلما سنحت له الفرصة بمحادثتهم هاتفيًّا، وإطلاعهم على وضعه، إلى أن قرر الاحتلال نقله من سجن النقب إلى زنازين العزل في سجن "بئر السبع" ومن ثم نقله إلى مستشفى سجن "الرملة".
على طرف سماعة الهاتف الأخرى، أخرجت شقيقته تنهيدة امتزجت بالألم: "لقد خسر أخي نحو 20 كغم من وزنه، وأصبحت نسبة الدم لا تتجاوز 6%، ويعاني من جراء الإضراب الطويل عن الطعام هبوطًا في دقات القلب وضغط الدم".
عزل انفرادي
"عانى أخي نقله إلى زنازين العزل الانفرادي خلال فترة إضرابه، يظل طوال الوقت مقيدًا من القدمين واليدين، كما أن الاحتلال يقوم بسحب الفراش منه في فترة النهار، وإذا أصابه الإعياء أو التعب يجلس على الأرض، وحرم من زيارات الأهل ولا نستطيع معرفة أي شيء عنه"، تتحدث عن معاناة شقيقها الأسير.
"كغرفة النار" تصف شقيقته زنازين الاحتلال، مشيرة إلى أن الاحتلال لم يدخل لشقيقها الملح منذ لحظة إضرابه عن الطعام، في حين تحاول العائلة ومن خلال فريق الدفاع التنسيق لزيارة له.. "ثلاثة أشهر لم نرَه ولم نتحدث إليه، وكانت آخر مكالمة واتصال هاتفي في 21 يوليو/ تموز الماضي"، تقول.
"إسماعيل الدرة" لقب أطلق على الأسير منذ طفولته، بعد أن اقترن اسمه ببلدة أبوديس بالشهيد محمد الدرة، حينها تخفى "علي" خلف برميل محاولًا النجاة بنفسه من رصاص الاحتلال في إحدى المظاهرات بالقدس المحتلة إبان استشهاد الطفل "الدرة"، وكان جنود الاحتلال يطلقون عليه رصاصهم المطاط.
وتنتقي بعض المواقف من حياة شقيقها قائلة: "وضع أخي علم فلسطين فوق قبة الصخرة منذ أن كان طفلًا (...) كان سبب الاعتقال الأخير أنه استطاع كشف قوة مستعربة دخلت بسيارة إلى أبو ديس بملابس مدنية وبعد أن كشفها قامت بتكسير قدمه".
وأمس سلط تقرير إعلامي الضوء على الأوضاع الصحية المتدهورة للأسير علي والذي يواصل معركة الإضراب المفتوح عن الطعام منذ 74 يومًا دون أن يتنازل عن حقه في الحرية.
وينقل التقرير الذي نشره موقع "حرية نيوز" الإلكتروني، عن "أحلام علي" تأكيدها أن الاحتلال يتكتم على الوضع الصحي لشقيقها ويمنع عنه زيارات المحامين، حيث لا تعرف العائلة أي معلومة حول صحته وترفض إدارة السجون التعاطي مع أي جهة حقوقية بشأن حالته.
وتوضح أحلام أن عائلة أحد المعتقلين الجنائيين رأت شقيقها في المستشفى فيما يبدو لتدهور صحي أصابه خلال الإضراب وأخبرت العائلة أنه يعاني فقرًا في الدم ودوارًا وصداعًا شديدين وبدت عليه علامات التعب الحاد.
وتبيّن أن المحامي ممنوع من زيارته وأنه رآه فقط في إحدى جلسات المحكمة قبل عشرين يومًا وأخبر العائلة بأنه متعب، ولكن محامية كانت في زيارة لأسير آخر أبلغت العائلة بأنه يعاني نقصًا حادًّا في الوزن وعدم قدرة على السير وهبوطًا في ضغط الدم.