يبدو مبهرًا في بعض الأحيان أن ترى صغيرًا يردد آيات القرآن بحروفٍ غير واضحة وبطريقة نطقٍ تناسب سنوات عمره القليلة، خاصةً إذا كان يحفظ من القرآن ما لا يحفظه من يفوق عمره أضعافًا، فيكون من المنطقي السؤال عن الكيفية التي حفظ بها الطفل آياتٍ أو أجزاء أو القرآن كاملًا، كيف استوعبه؟ وكيف تعامل معه محفّظه؟ وهل تخزّن ذاكرته ما يحفظه في الطفولة إلى أن يكبر؟.. هذا ما نستفسر عنه في التقرير التالي.
سرعة التعلم
المشرفة على القاعدة النورانية في دار القرآن والسنة في قسم شرق غزة هديل أبو عبده, توضح أن تحفيظ القرآن للطفل يبدأ بتعليمه القاعدة النورانية أولًا، فهو من خلالها يتعرف على الحروف وطريقة قراءتها بشكل صحيح، وبالتالي يكون قادرًا فيما بعد على تركيب الحروف معًا لتكوين الكلمات أو قراءتها.
وتقول لـ"فلسطين": "أولًا يتعلم الطفل الحروف، وهذا يستغرق مدة قد تصل إلى سنة، حسب عمر الطفل وقدراته، ثم يلتحق بعدها بمرحلة نطلق عليها اسم (الحافظ الصغير)، والتي تستمر لخمس سنوات، وخلالها ينهي الطفل حفظ القرآن كاملًا إن التزم بما هو مطلوب منه".
وتضيف أبو عبده التي حفَّظت القرآن لأطفال لم يتجاوزوا الرابعة من أعمارهم: "نحو ربع المتقدمين للحفظ من الأطفال دون الخامسة ينهونه في عمر العاشرة تقريبًا، وهذه نسبة غير قليلة".
وتبيّن أن الأطفال في هذه السن الصغيرة يتميزون عن من هم أكبر منهم بسرعة التعلم، والقدرة على تذكر ما تم حفظه وتخزينه في الذاكرة، لافتةً إلى أن الفروق الفردية موجودة بين الأطفال، ولكن بشكل عام كلهم سريعو الحفظ.
ومن خلال ملاحظاتها لطلابها، تؤكد أبو عبده: "المثل القائل إن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ينطبق تمامًا على الحفّاظ الصغار، فما يحفظونه في طفولتهم يبقى عالقًا في أذهانهم، ويجعل مستواهم العقلي سابقًا لأعمارهم، إضافة إلى أنه يؤثر إيجابًا في قدرتهم على التعلم والتركيز، ويتيح لهم الفرصة للتطبيق عندما يكبرون، فهم يحفظون في طفولتهم، ثم يفهمون ويطبقون في الكبر".
أما عن المصاعب التي يواجهها مُحفظو الأطفال، فهي، بحسب أبو عبده، ضعف التركيز أثناء التحفيظ، إضافة إلى التغيب بين الحين والآخر.
وتوضح أن مُحفّظ الأطفال يجب أن يمتلك مجموعة من المهارات والمواصفات التي تمكنه من التعامل مع هذه الشريحة العمرية، ومن أهمها أن يكون صدره رحبًا ليتحمل طلابه، وأن يكون قدوة في تصرفاته، فيحرص كل الحرص على ألّا يُخطئ أمامهم لأن الصغير يأخذ من معلّمه أكثر مما يأخذ من أسرته.
وتلفت إلى أن التحفيز، بنوعيه المادي والمعنوي، مهم جدًا في جذب الأطفال للحفظ واستمرارهم فيه، فهو يجعل الطفل يشعر بالحب والاهتمام من قبل معلمه، مشددة على دور الأهالي في تشجيع الأبناء وتوجيههم.
النفس الطويل
المُحفظة صابرين الحلبي عملت في تحفيظ القرآن لأطفال بعمر الرابعة تقريبًا، تقول لـ"فلسطين": "حفظ القرآن في عمرٍ صغير صعب نظرًا لصعوبة لفظه بالنسبة للأطفال، لكن أولياء الأمور يوجهون أبناءهم نحوه ليحفظوه في طفولتهم، وليتمكنوا من نطق الحروف بشكل سليم".
وتضيف: "غالبًا ما نستقبل الأطفال في خمس سنوات كي يكون الطفل مستوعبًا لفكرة الحفظ عقليًا ونفسيًا ولغويًا، وأول ما نفعله هو ضبط لغته، فنعلمه الحروف بحركاتها البسيطة ثم ننتقل للأصعب شيئًا فشيئًا".
وتتابع: "نعرض الحرف على الطفل، ليتعلم شكله ولفظه، ونلفظه أمامه، والطفل بطبيعته يستجيب للتعلم بدرجة أسرع من الكبار، والأهالي الحريصون على حفظ أبنائهم للقرآن يكونون حريصين على تشجيعهم وتوجيههم، وهذا يساعدنا".
وتواصل: "مرّ علينا أطفال عندهم مثابرة كبيرة، والأهالي لديهم دوافع قوية ليكون أبناؤهم حفظة للقرآن، وكثير من هؤلاء بدؤوا من نقطة الصفر، واستمروا حتى أتموا الحفظ".
وتوضح الحلبي أن الطفل في بداية رحلة الحفظ يكون خائفًا ومتهيبًا، لكن المحفظين يعملون على استخراج قدراتهم، فالكثير منهم لديه طاقات وإبداعات كامنة كثيرة، ومع التشجيع يزداد الوضع تحسنًا، إضافة إلى أن دور الأهل في البيت مهم جدًا، مؤكدة: "التشجيع والصبر والنفس الطويل من أهم أساسات تحفيظ الأطفال".
وعن أهمية تعليم القاعدة النورانية للأطفال في بداية حفظ القرآن، توضح أن القاعدة تعرّف الطفل على الحروف، ليقرأها وينطقها بشكل سليم، وبالتالي يتمكن قراءة القرآن بطريقة صحيحة، مبينة: "هي القاعدة الذهبية التي ينطلق منها الطفل للحفظ، وأعلّمها لكل المراحل العمرية، فهي الأساس الذي ترتكز عليه كل الدورات الخاصة بتعليم التلاوة والتجويد التي يمكن أن يلتحق بها الفرد لاحقًا".
وترى أن من يبدأ بتعلم القرآن في طفولته يتغير للأفضل كثيرًا، ويميل إلى التدين عندما يكبر، خاصة إذا كانت الأجواء الأسرية تتسم بالالتزام، لافتة إلى أنهم يحتفظون في ذاكرتهم بما حفظوه صغارًا.
وتقول: "لا نكتفي بتحفيظ الأطفال القرآن فحسب، وإنما نربيهم على الكثير من المبادئ والقيم من خلال التحفيظ، وفي كل حلقة نستقطع جزءًا من الوقت للحديث عن أمور توجه الطفل تربويًا".