كذبة القنبلة الموقوتة وتعذيب سامر عربيد
مصطلح القنبلة الموقوتة ابتكره العقل الصهيوني المجرم، وهو أن المعتقل في حالِ احتفاظه بمعلومات إن لم يكشفها قد تفضي إلى التسبب بقتل آخرين، فهو قنبلة قد تنفجر في أي لحظة، في هذه الحالة تصدر محكمتهم بقرار تعذيب الأسير بطريقة خارجة عن المعمول به من أجل الوصول لما لديه من معلومات يخفيها عن المحققين . وكأن المعمول به من تعذيب غير كافٍ لحمله على الاعتراف فلا بد من المزيد من العنف والتعذيب.
فالمرأة التي قتلوها بدم بارد أمام عدسات التصوير على حاجز قلنديا كانت قنبلة موقوتة، وشهداء الحركة الأسيرة كانوا كلهم قنابل موقوتة، جعفر عوض ومعزوز دلال وميسرة أبو حمدية ومحمد أبو هدوان ورزق العرير والقائمة طويلة، هؤلاء الذين اتخذوا من أجسامهم مختبر تجارب لأدويتهم كانوا أيضا قنابل موقوتة، وكل الذين قُتلوا بدم بارد نتيجة الإهمال الطبي المبرمج قنابل موقوتة، وكل من وجد قبل ارتكاب مجزرة كان قنبلة موقوتة، والفلسطينيون الذين قتلوا وهجروا من ديارهم وتم تطهير مدنهم وقراهم تطهيرا عرقيا كانوا قنابل موقوتة.. كل فلسطيني بإمكانهم اعتباره قنبلة موقوتة، حتى الباحث عن لقمة العيش المسالم جدا عندما يتناوله رصاصهم المحموم يصنف على أنه قنبلة موقوتة.
لا يمكن تصور محكمة في العالم المعاصر وهي تتخذ قرارا بالتعذيب ممكن أن يفضي للقتل، أن تتخذ القرار بالتعذيب محكمة مناط بها تطبيق القانون والمحافظة على حقوق الإنسان، هذا أمر عجيب لا يحدث إلا في غابة الاحتلال التي تحتكم غلى شريعة الغاب، بل إن شريعة الغاب أرحم من هذه لأن تلك تدفعها غريزتها والمحافظة على البقاء في حين هذه يدفعها إجرامها وساديتها لتحقيق الموت للآخرين.
ماذا فعلوا مع سامر عربيد ومن معه من معتقلين صنفوهم أنهم قنابل موقوتة؟ وهؤلاء معروفون فلسطينيا، ومن خلال اعتقالات سابقة بصلابتهم وقوة صمودهم كإرادة تنتصر على إرادة السجان في صراع الإرادات في أقبية التحقيق، معروفون بأن قناتهم ليست سهلة ولا تلين أمام جبروتهم بتاتا، وصل الأمر أن يصل سامر إلى حافة الموت فينقل إلى مشفاهم، هكذا تسربت بعض الأخبار ولكن ما هو معروف من تعذيب من هذا القبيل هو قاسٍ جدا، تحقيق دائم دون نوم للمعتقل على مدار أربع وعشرين ساعة، يتناوبون عليه من غير أن يسمح له بالنوم، وهذا له ما له في ماكينة التعذيب النفسي وهو أشد مرارة من التعذيب الجسدي.
وكذلك الشبح المهين حيث إنهم إذا أرادوا نقله من الزنازين واليها يقبض على اسفل الكيس من تحت الذقن ويجر كما تجر الدابة إمعانا في الاهانة والاذلال، ويتناوب عليه فريق من أكثر من عشرة محققين يعملون في ملف واحد تتكامل أدوارهم.
التعذيب دون أن يصنف بهذا المصطلح الذي يبيح الجريمة ويشرعنها هو في غاية البشاعة وفيه تجاوزات خطيرة جدا مثل: الشبح والحرمان من النوم لأيام طويلة والزنزانة الخانقة التي لا ضوء فيها ولا نافذة سوى فتحة ومروحة تتحكم في كمية الهواء الذي تضخه فيها، فوظيفة الزنزانة بشكلها المريع هو أن تُشعر المعتقل بأنه في غاية المهانة وفي غاية الضعف وأنه لا مناص له إلا الاعتراف، رغم أن الاعتراف يفتح عليه أبواب جهنم، لأنهم حينها يريدون التفاصيل والوصول إلى كل أهدافهم فالاعتراف فتحة في الجدار، منها يدخلون إلى معرفة كل ما لديه من أسرار.
ويأتي التعذيب الجسدي الذي تشرعه لهم محكمة بقرارها الذي يطلق العنان لمخالبهم وأنيابهم، يستخدمون حينها كل ما يخطر ببالنا وما لا يخطر، الهزّ الذي يخلخل عظام الرقبة والعمود الفقري وشبحة الموزة المعروفة حيث يتقوّس ظهره بطريقة عكسية غالبا ما تفضي إلى كسر في العمود الفقري، وأخطر ما في هذا هو طلبهم المزيد من المعلومات في حين المعتقل يصرّ على إنكاره سواء عنده شيء أو لا يوجد ما يقوله لهم، هناك حالات اعترفت بأشياء وهمية، وهناك من صمدوا إلى أبعد نقطة ببطولة أسطورية كشفت زيفهم وردتهم إلى أنفسهم خائبين.
سامر عربيد ومن معه الآن يرسمون بطولتهم في عمق أدغالهم الموحشة، يتألمون ويدفعون أثمانها من أرواحهم ولكنّ الرجال المميزين مستعدون لدفع الثمن مهما كان باهظا.