لا يختلف اثنان على أن المصالحة الفلسطينية ليست ترفا فكريا ولا شأنا هامشيا ولا ديكورا إضافيا ولا زينة إضافية ولا نافلة اجتماعية ولا لعبة ترفيهية، إنما هي ضرورة وجودية ومحور سياسي أساسي، وعليها يترتب كل تطوير أو تقدم في القضية الفلسطينية أو ينهدم وينهزم ويتراجع كل أمر من أمور القضية. هي بمثابة الأكسجين لحياة الإنسان، لن تقوم لحياته قائمة إلا إذا توافر هذا الأكسجين.
ولا يختلف اثنان على أن الذي يعطل المصالحة ليس شأنا فلسطينيا أو مصلحة ما تتحقق للقضية وإنما هو تجنٍّ على القضية وظلم لها ما بعده ظلم، وكل حريص على فلسطين يعلم تمام العلم أننا في هذه المرحلة السياسية الحساسة، والتي بتنا فيها أيتامًا بامتياز على طاولة لئام لم يسبقهم أحد على مثل هذا اللؤم ودرجة العداء والقهر والطغيان التي يرموننا بها من قوس واحدة.
وفي ظل هذه الذروة غير المسبوقة من استكبار الأعداء وخذلان الأصدقاء وفي ظل هجمة مستعرة مجنونة تستهدف تصفية القضية، يجدر بنا أن نتوحد وننهي الانقسام فورا دونما أي تلكؤ أو اشتراط أو خضوع لنعرة فصائلية أو لأواء شخصية أو غباء سياسي أو افتراضات وتحسبات ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد باتت المعادلة واضحة وضوح الشمس رابعة النهار، المصالحة أو المكابرة وما يترتب عليها من خذلان القضية من قبل أصحابها والفشل في الرد على صفقة القرن اللعينة، والتي تلوح في الأفق ولن تتحطم إلا على الخندق الفلسطيني الموحد في مواجهة كل هذا الصلف والوقاحة السياسية التي تقودها أمريكا في المنطقة. لم يعد أمامنا إلا المصالحة أو المكابرة ولو على...
والسؤال المهم ما الذي يعوق؟ هو ذات السؤال البريء الذي كان أيام الحلم العربي بوطن موحد.. لماذا لا يتوحد العرب؟ لو فكروا وتحركوا بإرادة حرّة مستقلة لا تراعي إلا مصالح العرب لتوحدوا منذ زمن بعيد، ولكن فقدان هذا النوع من الإرادة وخضوع العرب بدولها ذات الولاءات والتبعيات المختلفة والمتعددة جعلتها بعيدة كل البعد عن الإرادة الحرة المستقلة، وبالتالي صارت هذه الوحدة أقرب للخيال من الواقع.
ونحن الفلسطينيين بحاجة ماسة للإرادة الحرة المستقلة، قبل أن تصبح المصالحة أقرب إلى الخيال من الواقع، هذه المصالحة باتت مقياسا وباروميتر لهذه الإرادة، إن لم تتحقق المصالحة فإننا أبعد ما يكون عن الإرادة الحرة المستقلة، وإن تحققت وتحقق البرنامج الوطني الذي يتفق عليه الفلسطينيون فإننا بالفعل نملك هذه الإرادة الحرة المستقلة، أعداؤنا رغم تشرذمهم وتعدد انقساماتهم الحزبية إلا أنهم وجدوا الصيغة الديمقراطية التي تنفّس صراعاتهم الداخلية بطريقة سلمية وتجعل منهم كيانا ساعيا لمصالحه الاستعمارية، نحن الأولى حيث إننا الضحية وأصحاب الحقوق المسلوبة والوطن المُستعمَر، نحن الأجدر بالتوحد منهم.