في عين عاصفة الاستهداف، يضع الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين ليقينه من صعوبة محاسبته على جرائمه، ما يدفع خبيرين في القانون الدولي والإنساني إلى مطالبة المؤسسات الدولية بالعمل الجاد على حماية الصحفيين الفلسطينيين.
ويؤكد الخبيران أن الاحتلال لم يُبقِ اتفاقية أو معاهدة تختص بحماية الصحفيين والمدنيين إلا وانتهكها عمدًا وتكرارًا، وتتنوع هذه الانتهاكات والجرائم إلى القتل والجرح والأسر، أو إعاقة أعمالهم والتضييق عليهم.
ويشدد خبير القانون الدولي د. حنا عيسى أن الاحتلال وضع تحت قدميه كل المواثيق الدولية التي توجب على عليه أن يمتنع عن إيذاء الصحفيين، مبينًا أن ذلك هو سلوك ملازم للاحتلال جيشه وشرطته وأذرعه كافة.
ويذكر عيسى في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" أن أبرز المعاهدات التي انتهكها الاحتلال عبر استهداف الصحفيين هي اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في 1949م، والبروتوكول الأول الملحق بها عام 1977م، وميثاق روما لحقوق الانسان في 1998م، واتفاقية لاهاي في 1907م.
وينبه إلى أن الاحتلال يقترف هذه الجرائم والانتهاكات تحت سمع العالم وبصره، قائلًا: "إن الصحفيين من أكثر الفئات عرضة لعدوان الاحتلال من أفراد الشعب الفلسطيني".
ويشدد على أن القانون الدولي الإنساني تكفل بحماية الصحفيين، مشيرًا إلى أنه أوجب أيضًا احترامهم وحمايتهم من كل شكل من أشكال العدوان أو الاستهداف.
وبشأن توصيف ما يمارسه الاحتلال ضد الصحفيين الفلسطيني، يؤكد عيسى أن الصحفيين بحكم وضعهم مدنيين إنهم بحماية القانون الدولي الإنساني من الاعتداء، إذ تشكل أي مخالفة لهذه القاعدة انتهاكًا خطيرًا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول، فضلًا عن أن التعمد في الاعتداء على شخص مدني يرقى أيضًا إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي المنظم لعمل المحكمة الجنائية الدولية.
ويرى أن حكومة الاحتلال مسئولة تمامًا عن سلوك جنودها في الميدان، إذ تتحمل كامل المسؤولية الجنائية والقانونية عن أفعالهم بحسب ما نصت عليه مواد اتفاقية لاهاي الرابعة، إضافة إلى المواد الواردة في اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة.
ويلفت إلى تغاضي المؤسسات الدولية عن جرائم الاحتلال، ما شجع مرتكبيها على الاستمرار في الإجراءات التعسفية ضد الصحفيين ومؤسساتهم التي يعملون فيها.
ويحذر عيسى من أن إفلات الاحتلال من العقاب هو بمنزلة الضوء الأخضر للاستمرار في انتهاكاته.
تحقيق دولي
من ناحيته يؤكد مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان المحامي جميل سرحان أن على المجتمع الدولي التحرك لاتخاذ إجراءات عملية فورية لوقف الانتهاكات الجسمية بحق الصحفيين الفلسطينيين، وتوفير الحماية اللازمة لحرية العمل الصحفي.
ويشدد سرحان في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" على أن استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين رغم وجود كل الإشارات المميزة لطبيعة عملهم هو دليل على أن جنود الاحتلال لديهم ضوء أخضر لإيقاع خسائر بشرية، ومنع الصحفيين من كشف جرائمه.
ويقول: "إن التعليمات السائدة لدى جيش الاحتلال الذي يعمل على إفلات جنوده وضباطه وقادته من العقاب، والفشل المنهجي في إلزام الاحتلال باحترام حقوق الصحفيين، يقودان إلى حرمان هؤلاء الصحفيين الحماية التي يستحقونها في أثناء قيامهم بعملهم".
وينبه سرحان إلى ارتفاع وتيرة استهداف الاحتلال الممنهج للصحفيين، خاصة العاملين على تغطية فعاليات مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية التي انطلقت في قطاع غزة في 30 آذار (مارس) 2018م.
ويذكر أن الاحتلال لم يكتف بملاحقة الصحفيين وعدساتهم خلال ممارستهم مهامهم الصحفية، بل امتدت اعتداءاته لتصل إلى حد أسر الصحفيين في الضفة الغربية وزجهم داخل سجونه، ومنع زيارة ذويهم ومحاميهم وفرض غرامات مالية كبيرة عليهم.
ويؤكد سرحان أهمية وضع الحقائق أمام المجتمع الدولي والهيئات المختصة، والعمل الحثيث لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بالمواثيق الدولية التي تضمن حرية التعبير واحترام القرارات الدولية التي تحمي الصحفيين.
ويطالب مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان المؤسسات الفلسطينية ببذل المزيد من الجهود لإعداد ملفات قانونية ورفعها للمحكمة الجنائية الدولية، لفتح تحقيق دولي في الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين، وفق ما يضمن عدم إفلات جنود وقادة الاحتلال من العقاب.
ويشار إلى أن فلسطين صارت عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، بدءًا من 1 من نيسان (أبريل) 2015م، بعد أن وقع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الانضمام إليها في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2014م، لكن يسود اعتقاد على نطاق واسع بأن المحكمة تماطل في النظر بجرائم الاحتلال التي تقع ضمن اختصاصها.