هاجرت عائلة أبو غوش قبل سبعين عاماً من بلدة عمواس في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨؛ لتسكن مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة ولتبدأ رحلة أخرى من مقاومة الاحتلال.
عائلة أبو غوش مثلها مثل معظم العائلات الفلسطينية عاشت التهجير وكل أشكال الظلم واختزلت الحكاية في وجوه أبنائها الرافضين للاحتلال بأشكاله المختلفة، وكانت لهم بصماتهم وتضحياتهم التي شهد لها كل من عرفهم.
ومع اندلاع انتفاضة القدس عام ٢٠١٥ بدأ الحنين إلى الوطن يداهم قلوب الصغار الذين ما رأوا بلدتهم يوما، يتغنون بها ويحملقون في صورها ويتخيلون أنفسهم بين أزقتها ومنازلها المهترئة، ومن بينهم كان الفتى حسين محمد أبو غوش الذي آثر أن يقدم روحه علها تحلق فوق عمواس ويراها بعد استشهاده.
واستشهد أبو غوش (24 عاماً) في 24 يناير 2017، بعد أن أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار عليه، بعدما اصطدم بسيارته بمحطة لنقل الركاب عند حاجز عسكري "مخماش" الواقع جنوب شرق مدينة رام الله في الضفة الغربية. وأدعى الاحتلال حينها بأن أبو غوش اعتزم تنفيذ عملية دهس.
وكان أبو غوش برفقة صديقه إبراهيم علان من قرية بيت عور التحتا غرب رام الله، على موعد مع الشهادة في 25 يناير 2016، حين نفذا عملية طعن مزدوجة قرب مستوطنة "بيت حورون" المقامة على أراضي الفلسطينيين جنوب غرب رام الله، قتلت فيها مجندة إسرائيلية وأصيب جندي آخر، قبل أن يرتقي حسين وإبراهيم شهيدين.
ويقول محمد أبو غوش والد الشهيد لـ"فلسطين": "بعد ثلاثة أشهر من هذه العملية، أقدمت سلطات الاحتلال على هدم منزل العائلة في المخيم ليشردها من جديد ولتعيش نكبة لجوء جديدة، فبحثت عن منزل جديد لها داخل المخيم كذلك كي لا تنسى بوصلتها الأولى وهي عمواس المهجرة".
وبعد عام واحد على استشهاد حسين وحين لم تكد العائلة تلملم جراحها بعد؛ تلقت نبأ استشهاد ابن عمه حسين سالم أبو غوش، بعملية دهس فدائية نفذها شرق مدينة رام الله، ليُحتجز جثمانه هو الآخر في محاولة لمعاقبة العائلة.
ويقول محمد أبو غوش إن الاحتلال وبعد كل ذلك بدأ باستهداف نجله الفتى سليمان بالاستدعاء ومن ثم قام باعتقاله ليمكث أربعة أشهر في الاعتقال الإداري، ولم يكد يتحرر حتى أعيد اعتقاله مجددا.
الابنة البكر
ومنذ استشهاد شقيقها، أخذت ميس الابنة البكر للعائلة على عاتقها مسؤولية ترميم الوضع النفسي لكل أفرادها، فكانت الابنة المطيعة لوالديها والأم الحنون لأشقائها الصغار والدعم النفسي والمعنوي لهم جميعا.
وتقول والدتها أم حسين لـ"فلسطين": "إن ميس ليست مجرد الابنة البكر بل هي كتلة طاقة إيجابية في المنزل وهي تمثل نموذج التضحية بالوقت والجهد من أجل العائلة والحفاظ على تماسكها وعدم انهيار أي جزء منها رغم ضربات الاحتلال".
وأوضحت أن الاحتلال أراد أن يضرب حتى هذه الطاقة الإيجابية فقام في التاسع والعشرين من أغسطس الماضي باعتقال ميس بعد مداهمة منزلها، حيث تم اقتحامه وتفتيش غرفتها ومصادرة مقتنياتها الشخصية مثل هاتفها المحمول وحاسوبها الشخصي.
وما زالت ميس التي تدرس الإعلام في جامعة بيرزيت رهينة الاعتقال والتحقيق في مركز المسكوبية، وليس هذا فحسب بل يقوم الاحتلال بمحاولة إرباك عائلتها عبر الاستدعاء المتكرر.
ويقول والدها إنه حتى الآن تم استدعاؤه مرتين ووالدتها مرة واحدة؛ حيث يتم الضغط عليهم والضغط على ابنتهم من خلال جلبها أمامهم للتأثير النفسي عليها، كما يحاول الاحتلال أن يزرع فيهم الخوف من خلال منع المحامين من زيارتها ومنع نشر أي تفاصيل تخص التحقيق معها.
وتعيش العائلة الصابرة على أمل الإفراج عن ميس وعودة الجو العائلي جزئيا لها بعد فقد أحد أبنائها، ورغم كل ذلك ما زالت عمواس ماثلةً أمام عينيها وتحلم بالعودة لها.