حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبعاد نفسه عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال أجواء انتخابات الكنيست التي جرت الأسبوع الماضي، وصارع فيه نتنياهو على مستقبله السياسي، وكانت انتخابات شهدت منافسة قوية، خرج إثرها من دون إمكانية لتشكيل ائتلاف ذي أغلبية في الكنيست. ولافت تأكيد ترامب للصحافيين في لوس أنجليس، بعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية، أن علاقات الولايات المتحدة بـ(إسرائيل) تتجاوز أي زعيم بشخصه. وأوضح أيضا أنه غير قلق من احتمال خسارة نتنياهو منصبه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فالعلاقات "الأميركية وثيقة مع (إسرائيل)"، بصرف النظر عن طبيعة الحكومة ومن يترأسها.
ويمكن الجزم بأن العلاقات الإسرائيلية – الأميركية الاستراتيجية لم تتغير كثيرا منذ عام 1948، على الرغم من تغير الإدارات في واشنطن والحكومات في تل أبيب. وقد تميزت بخصوصيتها بالمقارنة بعلاقات الولايات المتحدة مع الدول الأخرى. وبرزت المساعدات الأميركية المباشرة وغير المباشرة لـ(إسرائيل) سمة أساسية في إطار هذه العلاقات. والسبب هو في الدور الذي تقوم به إسرائيل في خدمة المصالح الأميركية السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط من جهة، فضلاً عن نشاط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ودوره في الحفاظ على التأييد الأميركي لـ(إسرائيل) في كل المستويات من جهة أخرى، وكذلك الضغط على المشرّع الأميركي، بغية الإبقاء على انسياب المساعدات المالية لـ(إسرائيل).
وكانت حرب حزيران/ يونيو 1967 حدا فاصلا بين المرحلة التي كانت فيها (إسرائيل) تلعب دوراً مهماً في إطار المصالح الأميركية في الشرق الأوسط والمرحلة التي أصبحت تلعب فيها الدور الرئيسي في إطار هذه المصالح، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة، وغير العادية، مع (إسرائيل). ومن المهم الإشارة إلى أن (إسرائيل) موّلت حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأميركية السنوية اللوجستية والطارئة، فقد تجاوبت الإدارات الأميركية، المتعاقبة منذ عام 1948، مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع (إسرائيل)، وترسيخه في مختلف الميادين. وتجلى ذلك بالدعم الأميركي لـ(إسرائيل) في الأمم المتحدة واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي محاولة لإصدار قرار يدين ممارسات (إسرائيل) واعتداءاتها المتكرّرة على الدول العربية والشعب الفلسطيني.
ومن أهم ملامح الدعم الأميركي لـ(إسرائيل)، على المستويين، السياسي والدبلوماسي، سياسة الضغط المستمر على هيئة الأمم المتحدة التي أجبرتها على إلغاء قرارها الذي يعتبر الصهيونية حركة عنصرية. وفيما ظلت المساعدات الأميركية السمة الأهم في إطار الدعم الأميركي لـ(إسرائيل)، فإنها حلّت أزمات اقتصادية إسرائيلية عديدة، مثل التضخم، في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم. كما حدّت من تفاقم أزمات اقتصادية أخرى، وساهمت في تمويل هجرة يهود العالم إلى فلسطين المحتلة، وخصوصا من دول الاتحاد السوفييتي السابق منذ بداية التسعينيات، ناهيك عن أثرها المهم في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بالتكنولوجيا الأميركية المتطوّرة، من طائراتٍ وغيرها، وبالتالي تمويل العدوان الإسرائيلي على الدول العربية وعلى الشعب الفلسطيني.
وقد وصلت قيمة المساعدات الأميركية اللوجستية التراكمية لـ(إسرائيل)، ومعها المساعدات الطارئة، بين 1951 و2019، إلى 154 مليار دولار، نحو 60% منها عسكرية. ويقدر أن تصل قيمة المساعدات الأميركية الحكومية المباشرة لـ(إسرائيل) إلى 157 مليار دولار في نهاية العام المقبل، 2020. وباحتساب المساعدات غير المباشرة من الولايات المتحدة والإسرائيليين المقيمين خارج فلسطين المحتلة، فإن قيمة المساعدات الإجمالية تصل إلى نحو مائتي مليار دولار خلال الفترة المذكورة.
ليس استمرار العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) مرهونًا بشخص نتنياهو أو ترامب، وإنما إلى حدّ كبير بالدور الرئيس الذي تلعبه (إسرائيل) في خدمة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. والحديث المتواتر في بعض الصحافة العربية والإسرائيلية عن تحولات وانحدارات في تلك العلاقة، نتيجة تحولات المشهد السياسي الإسرائيلي إثر انتخابات الكنيست الجديد، ضرب من الخيال في المدى المنظور. وفي مقابل ذلك، سيكون الحاضر الأكبر هو اللوبي اليهودي الذي سعى، وسيسعى في المستقبل، إلى تمتين العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية و(إسرائيل)، فضلاً عن محاولته استمالة الإدارات الأميركية والمشرعين الأميركيين، لجهة دعم (إسرائيل) في كل المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية.
العربي الجديد