طارق قعدان معتقل إداري، أضرب سابقا مرّتين واليوم يخوض المعركة للمرة الثالثة ويقترب من الستين يوما، أول أمس لم يحتمل جسمه الوقوف فوقع أرضا وكُسرت ساقه، الشارع الفلسطيني الذي عوّدنا دائما الوقوف مع أسراه المضربين في معركة الحياة التي تسرّ الصديق أو الممات الذي يكيد العدا هو اليوم بات مكسور السّاق، يقف قعدان على ساق واحدة وشارعنا لم يقف متضامنا مع أسراه المضربين هذه الايام لغاية اليوم ولو على ساق واحدة.
ستون يوما مضت على اضرابه مع ثلة من المعتقلين الذين أرادوا قهرهم بهذه المشنقة المفتوحة(الاعتقال الاداري) للشعب الفلسطيني ولكل ناشط تصطدم آماله مع عنجهية الاحتلال، نصبوا لنا هذه الفزاعة من اجل تفريغ الشعب الفلسطيني من روحه النضالية، فكل من يفكر بالاعتراض أو الاشتباك ولو بأدنى درجات السلم واللاعنف يجد الاعتقال الاداري له بالمرصاد . فهو دفع مبرمج للانتحار الاجتماعي لأحراره ولتفريز أي تفكير سياسي في الحياة الفلسطينية الغارقة بالسياسة.
الان أقعدوا أسيرنا وبات على ساق واحدة ، هو الان ناخر القوى ، كل أجهزة جسمه تقف في المسافة الضيقة بين الحياة والموت ، ينتشر فيها الالم والانهاك ولا يستطيع تناول المسكنات على معدة فارغة لالم ساقه المكسور ، تزوغ عيناه ويضطرب قلبه وينبض ببطء شديد ، لم يتبق منه سوى روح متقدة لا تعرف سوى الانتصار في هذه المعركة ، يمتلك قلبا مكتنزا بايمان راسخ لا يتزعزع ، يسير قدما نحو اشراقة حرية بعد أن يطوى ليل الظالمين ، لا يرنو قلبه الا الى خالق هو وحده الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء ، هو في مطارق قعدان في يومه الستين للإضراب يقف على ساق واحدة
عركته يسجل في سفر التاريخ سواد أخلاقهم ويكشف زيف أعمالهم الشريرة التي بغوا فيها وطغوا وتجبروا .. يهزم جبروتهم ويقض عليهم مضجع فسادهم في الارض .
قعدان الان بساق واحدة يواجه مع نفر من المضربين الاحرار الوحش المفترس ، شارعنا الفلسطيني يملك ساقين ولكنه لغاية اليوم لم يخرج لهذه المعركة ساقا من سيقانه ، كل الاضرابات السابقة كنت تجد الجماهير الغاضبة تخرج الى الشارع ، عندما يتنافس الفصيلان الكبيران فيخرج كل منهما غضبه على الشارع تضامنا مع الاحرار فان شارعنا حينها يقف على ساقيه ، تكشف المعركة عن ساقها ويحمى وطيسها ، وعندما يرى الاحتلال الغضب العارم يسير في الشارع يقف بسرعة ليجيد الحساب ، يفكر ويقدر مليّا فيما سيخسره جراء غليان الشارع الفلسطيني ومن خلفه العربي وما سيتبع ذلك في الشارع الدولي .
لم تقو ساقا قعدان على حمل ما يعتمل في صدره الكبير ، خرّت ساق وكُسرت وبقي على ساق واحدة ، يحمل في صدره آلام شعبه وقضية كبيرة بحجم فلسطين العظيمة ، تأخذ همومه الخاصة رغم ثقلها الكبير زاوية من زوايا قلبه ، له طفل مقعد قيد العلاج الدائم وأسرة تتعذب نفسيا مع اطلالة ذئاب الليل التي تختطفه وتزج به في غياهب الموت ، يصعقونهم بكلمة معتقل اداري حيث ترخي هذه الكلمة ظلالها السوداء وتخرج من أرشيف صدورهم غبار الحرب النفسية بكل شراستها وقسوتها في التمديد الذي يسلم رقبته لتمديد قادم . عائلة بكل أركانها من زوجين واطفال وأمهات وإخوة وأخوات تقع فريسة سهلة ولقمة سائغة لنزوة أناس مهووسين ومسكونين بأحقاد لا حدود لها ، لا يرون في الفلسطيني الا مهبطا لعقدهم النفسية وتطبيقا لشذوذهم الوحشي ، لا يرون في الفلسطيني الا فريسة لطغيانهم .
لن يتوقف هذا الطغيان الا أن يقف الشارع الفلسطيني على ساقيه ممثلا بفصيليه الكبيرين وجامعا لشتات وحدته بكل فصائله ومكوناته الوطنية ، أسرانا هم روحنا التي يجب أن نقف لهم بكامل حضورنا ولا بد أن يرى هذا الوحش المفترس فينا ما يشكل خطرا على مصالحه وما يجعل من كلفة ظلمه وجبروته علينا كلفة عالية ، عندئذ يعيد النظر ويحسب لنا الحساب المعتبر .