فلسطين أون لاين

​يتناول 50 حبة دواء يوميًّا

معتصم رداد.. أسير يصارع المرض بابتسامة

...
صورة أرشيفية
طولكرم- غزة/ نور الدين صالح:

ليلة طويلة يشرد خلالها بذهنه حيث الأخبار التي يتشوق لسماعها عن أفراد العائلة، كلٌّ على حدة، في غضون دقائق الزيارة المسموح بها له، تمضي تلك السويعات ثقيلة إلى أن يحل الصباح "المختلف لديه".

تلك الأفكار والمشاعر المختلطة يقضيها الأسير معتصم رداد (36 عامًا) من طولكرم في الليلة التي تسبق زيارة عائلته له، إلى أن يحل الصباح فيبدأ تصفيف شعره وارتداء أجمل الثياب المتوافرة له في سجن الرملة، منتظرًا لحظات اللقاء الحاسمة.

"نورّت الدنيا فيكم، من زمان أنتظر هذه الزيارة" بهذه الكلمات افتتح الأسير رداد لقاءه الأخير قبل أسبوعين مع والدته وشقيقه خلال حديثه إليهما عبر الهاتف، ومن خلف زجاج القهر، يتمالك نفسه ويحبس في قلبه حسرة عجزه عن الارتماء في أحضان والدته ومعانقة شقيقه.

خلال اللقاء يتعالى الأسير "معتصم" على أوجاع الأمراض التي اجتمعت عليه، ويبتسم في وجه والدته كي يزيح عن قلبها بعضًا من الهم الذي يجتاحها، "45 دقيقة هي مدة اللقاء، لا تشعر فيها أن معتصم مريض، ودائمًا مبتسم" يقول شقيقه عمرو الذي يرافق والدته خلال الزيارة.

لا يتجرع كأس مرارة الشوق إلا من تذوقها "مشهد لا يوصف؛ مجرد ما أشوفه من خلف الزجاج نفسي أسلم عليه وأحضنه، حتى أخفف من أوجاعه" يقص عمرو مشاعره ومشاعر والدته في أثناء اللقاء.

في 12 يناير 2006م، زجّت قوات الاحتلال معتصم في السجن بذريعة مقاومة الاحتلال، ثم حكمت عليه محكمة تابعة للأخير بالسجن الفعلي 20 سنة.

انقضت خمس سنوات في زنزانة الاحتلال، ثم بدأت تتكشف الأمراض في جسده واحدًا تلو الآخر، إلى أن أصبح من أخطر الحالات المرضية الموجودة في سجون الاحتلال، كما أوردت مؤسسات حقوق الإنسان، وقد أكد ذلك شقيقه عمرو لصحيفة "فلسطين".

ويعاني معتصم كما يروي شقيقه سرطانًا في الأمعاء وتلف ما نسبته 80% منها، ونزفًا حادًّا وهزالًا عامًّا في الجسم، وعدم القدرة على بذل جهد، وصداعًا مستمرًّا، وارتفاع ضغط الدم ونسبة الكولسترول في الدم، وعدم انتظام نبضات القلب، وضعفًا في النظر، وربوًا مزمنًا، وآلامًا شديدة في العظام والتهابات في المفاصل.

ويتابع عمرو: "إن معتصم فقد قرابة 20 كيلوجرامًا من وزنه على مدار السنوات العشرة الماضية ويعاني ضعفًا دائمًا في الدم، أدى به إلى عدم القدرة على النوم"، لكنّ الأخطر من وجهة نظر العائلة أن "إدارة مستشفى سجن الرملة لم تعطِ التشخيص الدقيق لحالته".

وترفض إدارة سجن الرملة، التي تمارس الإهمال الطبي بحق الأسير معتصم، نقله إلى أي سجن آخر نظرًا لصعوبة حالته المرضية، كما ترفض إدارات السجون الأخرى استقباله، لأنه يحتاج إلى متابعة وعلاج مستمرين، وفق إفادة أخي الأسير.

تشخيص الحالة الصحية

الأمراض والأوجاع لا تكاد تترك زاوية من جسده المُنهك، يؤكد عمرو ذلك، قائلًا: "كل يوم معتصم يتناول 50 حبة دواء من أكثر من 20 صنفًا من الأدوية المختلفة إلى أن وصل بإدارة سجن الرملة إلى إعطائه إبرة مخدرة عبر محلول يستمر أربع ساعات، ليتمكن معتصم من النوم، ولو ساعتين فقط".

"كل يوم بمر عليّ بسنة، وبموت في اليوم ألف موتة" هذه الرسالة التي نقلها معتصم عبر محاميه عند زيارته في السجن، تعبيرًا عن شدة ألمه والوجع الذي يعانيه.

لم تترك عائلة معتصم بابًا من المؤسسات الحقوقية والجهات المعنية بالأسرى إلا وطرقته للتدخل لإنقاذ حياته، كما يفيد عمرو.

ويتابع: "الاحتلال يمنع المؤسسات الحقوقية والطبية، التي لم تتمكن من زيارة معتصم سوى مرات قليلة، من إجراء الفحوصات له، والكشف الدقيق عن حالته الصحية".

ويختم حديثه المملوء بألم الفراق والشوق بقوله: "يجب تشخيص الحالة الصحية لمعتصم، ثم تقديم العلاج اللازم له؛ فنحن لا نريد أن يكون الشهيد 222، ونرجو الله أن نراه بيننا قريبًا".