الاعتقال الإداري معادلة ساديّة مفرطة بين الجلاد والضحية
هناك طرفان في هذه المعادلة:
الطرف الأول هو الذي يتخذ قرار الاعتقال الإداري، هذا الذي يرى أن حياة الفلسطيني أصبحت ألعوبة بيده، فيعطي صلاحيات كاملة لضابط مخابرات يتصابى ويتسلى ويتذاكى على المعتقل الفلسطيني وكأنه يمسك حشرة أو يسحق بعوضة، وصل بهم صلفهم وقادتْهم عنجهيتهم إلى أن يتلاعبوا بالفلسطيني وأهله ومستقبله، قطّعوا أواصر حياته، يلقي عليه مشنقة الاعتقال الإداري بين الحين والآخر، ليصبح بائسا لا قيمة لحياته إلا النزر اليسير حينما يقرر هذا اللاعب أن يرخي له الحبل قليلا ليعيد شده من جديد وليلقي به في زنازينهم اللعينة. هذا الطرف لا يرى لحياة الفلسطيني أي قيمة ولا يقيس الزمن بمقياسه الذي يزن به أوزان أوقاتهم. الفلسطيني عنده لا زمن له، لا قيمة عنده أن يقضي الفلسطيني في اعتقال إداري سنتين أو ثلاثا أو خمسا على مجرد ظنّ يتولّد من ثنايا هوسه الأمني، الفلسطيني عنده أقل بكثير من قطة أو كلب، إذ من حق هذا عليه أوقات للنزهة، ولا بد من أن يراعي مشاعره فلا يضايقه في شيء، الفلسطيني في نظرهم لا يرتقي الى مستوى هذا الحيوان الاليف لأنه يعد حيوانا أسود مقيتا لا يستحق الحياة ولا يستحق أي نظرة انسانية أو لحظة رأفة حيوانية . انه مجرد حشرة مؤذية السحق عليها كثير لأنه يتجرع الموت دفعة واحدة ويرتاح في حين الفلسطيني لا بد له ان يتجرع الموت كثيرا ولا بد له ان يكون عبرة لغيره فيريه نجوم الظهر كل يوم على مدار سنيّ الاعتقال الاداري، هو لعنة قائمة دائمة تنذر كل من لا يروق لهم وترهب كل من يقترب من اي توجه لا يروق لمزاجهم الاحتلالي العكر.
الطرف الثاني هو الذي تقع على رأسه هذه العصا وتُمارس عليه عملية السحق التي تقربه من الموت الى أقرب نقطة ولكنها لا تتركه يموت وتحافظ على رمق يبقيه على قيد حياة مريرة بئيسة، هذا الطرف جريمته انه رفض أن ينسجم مع سياسة الاحتلال، رفض ان يكون أرنبا في مزرعة أرانب، أراد ان يكون حرّا كما ولدته أمه وكما هو حال البشر، لم يطلق النار ولم يقاوم بطرق عنيفة ولكنه اشتبك مع ظلمه رافضا ممانعا غير مستجيب لمغنطة الاحتلال وإجراءاته الأمنية اللئيمة، لا يريد بطاقة الـ vib ولا يريد ان يفطر على "الشمينت" ويتلذذ على "بوظة اشتراوس"، يرفض سياسته ولا يقتات على بضائعه كلها من الشمينت الى صفعة القرن.
هذه معادلة الاعتقال الإداري إذًا: معادلة ساديّة تتألف من: طرف في أعلى درجات الاستكبار يمارس بلطجته على طرف في أعلى درجات الاستضعاف، الأول يملك كل أسباب القوة والثاني لا يملك إلا قلبه وأمعاءه، ويريد الطرف الثاني أن ينتصر باسترداد حريته وكرامته في حين يريد الطرف الأول أن يستمر في ممارسة غطرسته وعنجهيته.
ووصلت الآن إلى مرحلة بالغة الخطورة، حيث بلغ عدد أيام الاضراب ما يزيد على الشهرين، أصبحت تنذر بالخطر الشديد وتدعونا لوقفة جادّة، الأمر جد خطير للغاية وأسرانا باتوا على حافة الموت، المعركة لم تكن ترفا أو نزهة من بدايتها، إذ من المعروف أن الأسير عندما يقرر فتح معركة من هذا النوع فإنه يضع روحه على كفه ويقرر المخاطرة بها ودخول معركة الموت، يقرر الاقتراب كثيرا من وضع حدّ لحياته وهو يعلم ذلك، وما يدفعه لذلك نفسه العزيزة الكريمة التي تأبى الضيم وأن تسام سوء العذاب، يأبى أن يكون محل إنفاذ لساديّتهم المفرطة، فتكون المعادلة هي الموت ولا المذلة.