حزين جداً أن تصل العلاقة بين السعودية وحركة المقاومة الإسلامية حماس إلى ما وصلت إليه اليوم. وأنا أقرأ بيان حماس الذي أعلنت فيه اعتقال قوى الأمن السعودية مسؤول مكتبها في المملكة د. محمد الخضري ونجله وآخرين، وأن الحركة لم تعلن عن ذلك إلا بعد جهود ووساطات كلها باءت بالفشل، توقفت عند ثلاثة مشاهد:
1. تذكرت حديث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذي تحدث عن تبنيه إستراتيجية احتواء الإسلام الوسطي، وحينها كتبت أن المملكة ستقود العالم الإسلامي، وأنها ستملأ الفراغ في عالمنا العربي الذي نجحت دول ومنظمات وعلى رأسها إيران في ملئه.
2. تذكرت كتاب استهداف أهل السنة للدكتور نبيل خليفة، وجوهر ما جاء في هذا الكتاب حجم التحديات التي تواجه الكتلة السنية التي تشكل 85% من مسلمي العالم ويشكلون 1.4 مليار نسمة حسب إحصاءات عام 2014م، حيث يواجهون:
أ. في مواجهة العالم المسيحي بفرعيه البروتستانتي (الولايات المتحدة وألمانيا) والكاثوليكي (فرنسا وإيطاليا إلخ...) والانجليكاني في بريطانيا والأرثوذكسي في روسيا. صراع حضاري سني مع الحضارة الغربية المسيحية.
ب. في مواجهة مع العالم اليهودي: (إسرائيل) ومؤسساتها ومن خلفها الصهيونية العالمية.
ت. في مواجهة مع العالم الشيعي: إيران ومطامعها وطموحها الإمبراطوري الفارسي بالمنطقة.
ث. في مواجهة مع العالم الهندي: الصراع بين الهند وباكستان وقضية كاشمير.
ج. في مواجهة مع العالم الصيني: 50 مليون مسلم صيني يعيشون في ما مساحته مليون متر مربع تقريبا في إقليم كينغ سيانغ وهم يشكلون أزمة للدولة الصينية.
ويضيف خليفة في كتابه أن الصراع الكوني على المنطقة له ثلاثة أهداف:
3. توقفت عند السياق التاريخي للعلاقات بين حماس و السعودية التي بدأت بعد انطلاقة حماس، حيث وجهت الاستخبارات السعودية دعوة رسمية للدكتور موسى أبو مرزوق لزيارة المملكة ولقاء رئيسها الأمير تركي الفيصل، وكان ذلك في عام 1988م بمدينة جدة، وتطورت العلاقات بين حماس والسعودية نظراً للمحدد الديني الذي يحكم السياسة الخارجية للسعودية، والتقاء هذا المحدد مع الحركة الإسلامية في فلسطين، ورغم أن المملكة تربطها علاقات متينة بمنظمة التحرير الفلسطينية إلا أن موقف المنظمة من حرب الخليج المؤيد لصدام حسين واحتلاله للكويت، في المقابل كان موقف حماس رافضا لغزو دولة الكويت الشقيقة، ما دفع السعودية لتوفير دعم سياسي وإعلامي وثقافي ومالي كبير كان يقدمه الشعب السعودي بموافقة من المملكة لحركة حماس، وانعكاسه الإيجابي على دعم قدرات الحركة وتطوير أداء مؤسساتها الدينية والاجتماعية والثقافية والرياضية إلخ...
تكررت اللقاءات بين الاستخبارات السعودية وحركة حماس، وتطورت العلاقات حتى وصلت للسماح بفتح مكتب اتصال لحركة حماس داخل المملكة يرأسه الدكتور محمد الخضري.
وفق ما سبق فإنني أوجه الرسائل الآتية:
1. أدعو خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى العفو الملكي عن المعتقلين الفلسطينيين، وأن تعمل المملكة -بصفتها دولة كبرى ومركزية وتعمل على قيادة العالم الإسلامي- على مراجعة سياستها تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية وتحديداً حركة حماس، وتوفير المناخ الجيد الذي يساعد المملكة في ممارسة دورها في ملفات المصالحة والتهدئة...
2. أدعو حركة حماس لأن توقف حملتها الاعلامية وأن تترك مساحة لمزيد من الوساطات لإنهاء هذه الأزمة العابرة.
3. أدعو الوسطاء ممن يمتلكون علاقات مع الطرفين أن يبذلوا جميع الجهود لاحتواء الأزمة، والعمل على جمع شمل عالمنا العربي والإسلامي، والتفرغ لمواجهة التحديات التي تعصف بقضايا الأمة.
4. إن خصوصية الحالة الفلسطينية وتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي وانقلاب (إسرائيل) والإدارة الأمريكية على كل الاتفاقيات الموقعة بينهما وبين منظمة التحرير الفلسطينية كل ذلك يدفع شعبنا للبحث في علاقات مع جميع الأطراف لجلب الدعم السياسي والعسكري والأمني والمالي والإعلامي لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي والانحياز الأمريكي. وعليه فإن منطلقات علاقات فصائل المقاومة مع إيران وحزب الله تتركز في جلب السلاح لمواجهة الاحتلال والاستيطان لإدراك تلك الفصائل صعوبة دعمها بالسلاح من الدول العربية والإسلامية.
الخلاصة: إن الأصل في شكل العلاقة ومستقبلها بين المملكة العربية السعودية وحركة حماس هي العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والتعاون المشترك، والتوافق، ولعلني أستذكر وعد ولي العهد محمد بن سلمان لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل خلال لقاء جمعهما في أحد الأعياد، بأن يعمل ولي العهد كل ما بوسعه لرفع حماس من قوائم الإرهاب، وذلك من خلال علاقاته القوية بالإدارة الأمريكية، حسب ما أفادتني في ذلك شخصية قيادية رفيعة اطلعت على محضر الاجتماع.