أجمع حقوقيون فلسطينيون على أن قرار رئيس السلطة محمود عباس إحالة عدد من القضاة إلى التقاعد المبكر، بناء على تنسيب مجلس القضاء الانتقالي، يُظهر مدى تغوّل السلطة التنفيذية على نظيرتها القضائية خلافًا للقانون الأساسي الفلسطيني.
وعدّ الحقوقيون القرار استمرارًا للانهيار المتواصل في السلطة القضائية، فضلًا عن أنه يأتي في سياق تركيز السلطات بيد السلطة التنفيذية.
وأصدر رئيس السلطة في 15 أيلول (سبتمبر) الجاري قرارًا يقضي بإحالة عدد من القضاة إلى التقاعد المبكر، بناء على تنسيب مجلس القضاء الانتقالي، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية "وفا".
رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق عصام عابدين أوضح أنه حتى كتابة هذا النص طبيعة القرار ليست واضحة، قائلًا: "فلم أحصل على نسخة منه، لكن أعتقد أنه يسير في الاتجاه ذاته الذي يؤكد أن الانهيار الحاصل في منظومة القضاء هو انهيار مستمر".
وأكد عابدين في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" وجود أزمة عميقة في النظام السياسي الفلسطيني، حيث غياب السلطات، ومزيد من مركزة السلطات بيد السلطة التنفيذية.
وأضاف: "ما يجري في القضاء انهيار حقيقي، إذ توجد تدخلات سافرة للسلطة التنفيذية في القضاء وشؤون العدالة، ومساس بالمبادئ والقيم الدستورية، خاصة التي أكدها القانون الأساسي الفلسطيني فيما يخص السلطة القضائية ووجوب عدم المساس بها".
"قرار الدستورية دون جدوى"
وعلّق رئيس نادي القضاة الفلسطينيين السابق، المستشار أسامة الكيلاني، على القرار بالقول: "هذا القرار فرّغ قرار المحكمة الدستورية من مضمونه، فأصبح قرار الدستورية القاضي بإعادة القضاة لأماكن عملهم دون جدوى".
وأضاف الكيلاني في حديث إلى "فلسطين": "الغريب أن القرار بقانون صدر بهذه السرعة، دون معرفة الحيثيات والأسباب التي دعت إلى إحالة مجموعة من القضاة للتقاعد المبكر".
وأشار إلى أن القرار لا يعني له شيئًا؛ لكونه أعلن استقالته ولا يرغب بالعودة للعمل في القضاء، مستدركًا: "لكنني فوجئت بتنسيب مجموعة من القضاة للتقاعد المبكر".
وأوضح أنه شارك في الطعن المُقدم للمحكمة الدستورية بالقرارين بقانون رقم (16)، و(17) لعام 2019م في 17 حزيران (يوليو) الماضي، لافتًا إلى أن الدستورية قررت إعادة القضاة إلى عملهم بإلغاء القرار بقانون رقم (16).
وتابع الكيلاني: "المشكلة حتى الآن أننا لا نعرف حيثيات القرار وجوهره، أقرار إداري هو أم تعديل قانوني، أم عقوبة؟، فإذا كان عقوبة يجب إجراء تحقيق مع القضاة، وإذا كان قانونًا يجب أن يشمل الجميع، وفي العادة عندما يصدر قرار الإحالة للتقاعد المبكر، يجب أن يكون هناك أسباب تتعلق بسلوك القاضي".
مصيبة
الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى في الضفة الغربية سامي صرصور أوضح أن المحكمة الدستورية عالجت القضية، وقضت بعدم جواز تدخل رئيس السلطة التنفيذية في عملية تعديل أو إلغاء قانون السلطة القضائية أو التطرق إلى تغيير جوهري في هذا القانون، خصوصًا ما يتعلق بسن التقاعد.
ورأى صرصور في حديث إلى "فلسطين" أن الغريب في القرار بقانون رقم (17) لـ2019م أنه وصّف مجلس القضاء الأعلى جهة إدارية لا قضائية، "وهذه مصيبة كبيرة"، على حد تعبيره.
وتساءل: "كيف لمجلس القضاء الأعلى الذي له صلاحيات تعيين القضاة ونقلهم وندبهم، وترقياتهم ... إلخ، أن يكون جهة إدارية؟!، هذا لا يصح، وفيه مخالفة وتعد وتغول من السلطة التنفيذية على القضائية، ويجب على المحكمة الدستورية إصدار قرارها بالإجماع بعدم مشروعية القرارين بقانون (16، و17)".
وتابع: "يبدو أن هناك تعددًا بالأدوار، فأن تحكم المحكمة الدستورية بعدم قانونية التعديل الذي طرأ على قانون السلطة القضائية، وفي الوقت نفسه تبقي على مشروعية القرار بقانون القاضي بتشكيل مجلس القضاء الأعلى الذي أعطاه التعديل صلاحية الإحالة للتقاعد المبكر؛ هذه مشكلة".
واستطرد بالقول: "ما حصل فعلًا هو أن المحكمة الدستورية ردت الطعن بتشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، فتوجه رئيسه بتكليف من المجلس إلى رئيس السلطة محمود عباس يخبره بأن المحكمة الدستورية أبقت على صلاحيات المجلس، وبذلك نُحيل فلان وفلان ... إلخ للتقاعد المبكر بموجب التعديل الجديد".
ويأمل صرصور من نادى القضاة الفلسطينيين الوقوف صفًّا واحدًا في وجه القرار؛ لكونه إمعانًا بالتدخل في شؤون القضاء، ويعطي المجلس الانتقالي سلطة تحكمية، بمعنى "أنه لا يوجد وازع لهذا المجلس يمنعه من إحالة أي قاضٍ للتقاعد دون أي أسباب".
وأكد الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى أن القضاء الفلسطيني أصبح يُعبث به بطريقة غير معقولة، ومخالفة للقانون والدستور وللمبادئ الأساسية من استقلال القضاء وسيادة القانون.