يوم الثلاثاء 14 أيلول/ سبتمبر 1982 كنا نجلس على سطح منزلنا في آخر أطراف مخيم برج البراجنة في بيروت.
المنطقة مدمرة بسبب الاجتياح الإسرائيلي، وكانت لا تزال شبه خالية إلا من عدد قليل من الأهالي الذين عادوا إلى منازلهم في المخيم ..التي كانت بلا ماء ولا كهرباء .. آثار الحرب حاضرة بقوة.
يوم الثلاثاء الساعة الرابعة عصرا كنا نجلس على سطح المنزل.. مجموعة من الشباب..
فجأة دوى انفجار كبير سمعنا صوته في المخيم..
ليلا وفجر اليوم التالي تأكد مقتل بشير الجميل..
في الليلة التالية كنا نسهر أمام المنزل.. مجموعة من الشباب.. الهدوء يخيم على المخيم.. لا حركة.. لا أصوات.. هدوء هدوء هدوء.. لا كهرباء.. فقط نيران قليلة مشتعلة في مكب النفايات القريب..
حركة ضخمة جدا في مطار بيروت الدولي..
منزلنا قريب من طريق المطار.. الهدوء يلف المنطقة.. حركة متواصلة للطائرات والآليات.. طائرات تهبط وتقلع..
مطار بيروت لم ينم تلك الليلة.. المنطقة هناك كانت قد سقطت بيد جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تقدم في آخر أيام الاجتياح ووصل إلى التلال القريبة من مخيم برج البراجنة وسيطر هناك بالكامل.
في اليوم التالي تقدمت الدبابات الاسرائيلية نحو بيروت وكانت تمر على التلال الرملية غربي المخيم..
في الايام الثلاثة اللاحقة سيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على التلال غربي منطقة صبرا وشاتيلا.. ما تعرف بمنطقة السفارة الكويتية ومنازل الضباط.
المنطقة بالكامل كانت تحت سيطرة جيش الاحتلال..
الجيش الاسرائيلي أحاط بالمخيم وأمن المداخل والتلال وأضاء الليل بالقنابل المضيئة..
العصابات المجرمة دخلت من جميع الاتجاهات.. من منطقة مستشفى عكا وحي فرحات والمدينة الرياضية ..
المجرمون هاجموا المدنيين.. قتلوا اللبنانيين والفلسطينيين..
أطلقوا النار على كل من هو حي ..قتلوا الحياة..
اقتحموا المنازل.. أعدموا النساء والرجال والأطفال..
استخدموا الحراب والبلطات ..
قتلوا الخيول والدجاج والحمام..
كانوا ينتقمون من الفلسطينيين..
كانوا يقتلون بهدف القتل ..
ابادة من اجل الابادة..
الكل تواطأ على قتل الفلسطينيين..
القوات الغربية التي وصلت الى بيروت للإشراف على وقف اطلاق النار وخروج الثورة الفلسطينية انسحبت فجأة قبل الوقت المحدد.
السلاح الفلسطيني سُلِّم قبل ايام..
الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجازر كثيرة سابقا بحق الفلسطينيين وكان يريد الانتقام مجددا من الفلسطينيين والثورة الفلسطينية.
هناك قرار قديم لدى المليشيات الكتائبية بقتل الفلسطينيين في لبنان وابادة مخيم شاتيلا.
القتل تواصل ثلاثة ايام ..
جلسنا في الليل مجددا قرب منزلنا نستمع للأخبار بعدما بدأ الناس يتحدثون عن مجزرة في شاتيلا.
اذاعة مونت كارلو قدمت تقريرا مشهديا ليلتها عن المجزرة..
الجثث في الشوارع.. تحت الشاحنات.. الرجال ذبحوا.. النساء بُقرت بطونهن.. الدماء سالت في كل المخيم..
خرجت المليشيات بعدما لم تعد تجد ما تقتله..
واستفاق العالم على مجزرة كبيرة بحق مئات الفلسطينيين واللبنانيين.
دخل الاهالي الى المخيم..
صدمة ما بعدها صدمة..
الجثث في الشوارع ..على مداخل المنازل ..على النوافذ.. تحت السيارات.. صفوف من الجثث بعد عمليات إعدام مباشرة..
دخل الصليب الأحمر والدفاع المدني وكانت المجزرة اكبر مما يمكن توقعه.
صراخ هنا وبكاء هناك ..
الجميع يبحث عن أحياء ويفتش بين الجثث..
الموت ينتشر في كل مكان.. الحزن يلف الجميع..
صبرا وشاتيلا حكاية ألم ووجع لا يمكن أن تنسى..
ستظل أرواح الضحايا تحلق في السماء، وصرخات المظلومين تطرق مسامعنا..
ستبقى صبرا وشاتيلا حكاية ألم ووجع فلسطيني على طريق الحرية.. وستبقى ثمنا ندفعه من أجل الأرض والوطن والهوية.