نعشٌ رُش بالزهور والورود، وعلى جانبيه التصقت صور الأسير الشهيد بسام السايح من أربعة وجوه، يتحرك على أكتاف المشيعين الذين يهتفون بأصوات وعبارات غاضبة: "يا شهيد ارتاح ارتاح.. واحنا نواصل الكفاح".
أصوات الأناشيد تعلو في أرجاء المكان "فتنت روحي يا شهيد"، إكراماً لروح الشهيد السايح الذي صعدت روحه للسماء بعد رحلة شاقة مع مرض السرطان الذي ضاعفه الإهمال الطبي من إدارة سجون الاحتلال.
كان هذا المشهد "الرمزي" في ساحة مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر وسط مدينة غزة، خلال الاعتصام الأسبوعي الذي ينظمه أهالي الأسرى الاثنين من كل أسبوع؛ غضباً لظروف استشهاد "السايح"، ورفضاً لسياسة الإهمال الطبي الذي مارسته إدارة السجون بحقه.
وفي لحظة غضب، انطلق المشيعون من أهالي الأسرى والمتضامنين من ساحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر نحو بوابتها الرئيسة يقرعونها، علّ مسؤوليها يستجيبون لاستغاثتهم ومطالبهم بضرورة التحرك الفوري لحماية الأسرى، سيّما المرضى منهم.
"أم مجدي" والدة الأسير مجدي ياسين تجلس قرب المُشيعين وتنظر لنعش "السايح" تارة وأخرى لصورة ابنها الأسير "مجدي" وعيونها تمتلئ بالقلق على مصير ابنها الذي أمضى 12 سنة من أصل حُكم جائر صدر بحقه يبلغ 18 سنة.
تنقل "مجدي" بين سجون عدةّ كما تذكر والدته إلى أن وصل به الحال لسجن "هداريم"، الأمر الذي أثقل معاناته وأفراد عائلته، خاصة أن الاحتلال اعتقل ابنها مُصاباً.
"نعزي أنفسنا وجميع الأسرى وذوي الشهيد لأن بسام ابننا جميعاً"، خرجت هذه الكلمات من حنجرة "أم مجدي" رفضا لسياسة الإهمال الطبي الإسرائيلية بحق الشهيد "السايح"؛ ثم صمتت قليلاً قبل أن تضيف: "لا نستطيع إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل على الاحتلال وأعوانه".
تتساءل بُحرقة: "أين العالم والصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية من جريمة استشهاد السايح؟ أين هم من معاناة الأسرى؟"، تختلط المشاعر وتختنق الكلمات في حنجرتها لتكررها ثانيةً "حسبنا الله ونعم الوكيل"، مختتمة بقولها: "نتمنى الإفراج العاجل لجميع الأسرى".
جريمة
تُشاطرها الوجع والألم عائشة أبو جزر (64 عاماً) والدة الأسير أحمد أبو جزر، الذي اعتقله جيش الاحتلال عام 2003، وحكم عليه بالسجن 17 سنة.
بدأت حديثها بسرد تفاصيل حياة "فلذة كبدها" في الأسر بعد زيارته في 13 أغسطس/ آب الماضي، بقولها: "أوضاع ابني سيئة، والاحتلال لم يسمح لي سوى بنصف وقت الزيارة المسموح، فعدتُ إلى البيت بحالة يأس".
وسرعان ما انتقلت "أبو جزر" للحديث عن الشهيد السايح، فتحكي بقلب يعتصره الألم "الاحتلال تسبب بمرضه، ولم يقدم له العلاج المناسب، هذه جريمة".
"لا نقبل أن يخرج أبناؤنا الأسرى محمولين على الأكتاف، حسبي الله ونعم الوكيل على الاحتلال وأعوانه"، هكذا ختمت حديثها.
على الشق الآخر يقف الأسير المحرر أيمن الشراونة على مقربة من "النعش"، وحالة الحزن تملأ وجهه فيقول: "نعزي أنفسنا والشارع الفلسطيني وذوي الشهيد بهذا المصاب الجلل".
ويضيف الشراونة الذي يتضامن باستمرار مع أهالي الأسرى: "حذرنا منذ زمن طويل أن بسام السايح هو الحالة الأخطر داخل سجون الاحتلال، وناشدنا كل المؤسسات الدولية، لكن دون أي إجابة".
ويُشدد: "الاحتلال عليه أن يتحمل المسؤوليات في الأيام القادمة، لأن الأسرى وكل الفلسطينيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي على هذه الجريمة".
ويطالب السلطة بالعمل على إطلاق سراح جثمان الشهيد "السايح" من أجل دفنه في بلده وبين ذويه، إكراماً له، مناشداً إياها والفصائل الفلسطينية بوقفة جدية في قضية الأسرى المضربين والمرضى.
كما طالب المؤسسات الدولية والحقوقية بضرورة إنهاء معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، مردفاً: "لا نريد أن يخرجوا شهداء، بل أحياء ليعيشوا بين ذويهم".
وقفة دعم وإسناد
في السياق ذاته حمّلت القيادية في حركة المقاومة الإسلامية حماس اعتماد الطرشاوي الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى والأسيرات، قائلةً: "ليتذكر الاحتلال جنوده المحتجزين لدى المقاومة في قطاع غزة".
جاء ذلك خلال وقفة دعم وإسناد للأسرى المرضى في سجون الاحتلال بعنوان "أنقذوا الأسرى المرضى قبل فوات الأوان"، نظمتها دائرتا العمل النسائي في حركتي حماس والأحرار، أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ووجهت الطرشاوي رسالة للأسرى في سجون الاحتلال بقولها: "لن يهدأ لنا بال إلا بتحريركم وإرجاعكم لذويكم"، مطالبةً المؤسسات الدولية والمعنية بحقوق الإنسان والأمم المتحدة بالضغط على الاحتلال لتحسين ظروف الأسرى.
وناشدت أهالي الضفة الغربية المحتلة للثورة في وجه الاحتلال؛ احتجاجاً على جريمة إهمال حالة السايح الصحية، واستمرار سياسة الإهمال الطبي ضد الأسرى، داعيةً المقاومة الفلسطينية لتحقيق صفقة "وفاء الأحرار" الثانية.
وبعثت الطرشاوي برسالة للأمة الإسلامية والأنظمة العربية أن "أفيقوا، وكفى تطبيعاً وهرولة نحو الاحتلال".
بدورها، أكدت مسؤولة دائرة العمل النسائي في حركة الأحرار فاتنة العربيد، أن قضية الأسرى إنسانية أخلاقية بالدرجة الأولى، قائلةً: "مهما تآمر المتآمرون وأعوانهم وحاولوا إشغال شعبنا ستبقى قضية أسرانا على رأس الأولويات".
وحمّلت العربيد الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استشهاد الأسير السايح نتيجة الإهمال الطبي، مشيرةً إلى أن هذه الجريمة تضاف إلى السجل الإجرامي الأسود له.
وطالبت باستمرار فعاليات الدعم والنُصرة للأسرى خاصة المرضى منهم لإنقاذ حياتهم والوقوف معهم في ظل السياسة العنجهية التي ترتكبها إدارة السجون، داعيةً لتفعيل كل أشكال المواجهة مع الاحتلال على خطوط التماس.