لو أطلقت قيادة الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة يد الشباب الفلسطيني للفعل والاقتحام والاشتباك مع الإسرائيليين لتغيرت المعادلة، ولشهد قطاع غزة عشرات الشهداء يومياً، وأوقع الشباب الفلسطيني عشرات الإصابات في صفوف الإسرائيليين، فالشباب في قطاع غزة طاقة لا تنضب، وإرادة لا تلين، ورغبة في المواجهة لا تحدها حدود، وذلك ليس بفعل اليأس، وانعدام فرص العمل، وانسداد أفق المستقبل كما يزعم الإسرائيليون، وإنما بفعل الانتماء للوطن، وإن كنا لا نغفل ولا ننكر أثر الحصار الإسرائيلي في خلق حالة من الغضب والرفض للواقع المحفز لفعل المقاومة.
ولكن قرار ضبط الأمور الصادر عن قيادة الهيئة الوطنية لمسيرات العودة، الذي جاء بناء على تقديرات سياسية وإستراتيجية، وضمن رؤية شمولية للصراع، هذا القرار المسؤول فرصة جيدة للاحتلال الإسرائيلي كي يعيد حساباته، ويعاود النظر إلى معاناة غزة بجوانبها السياسية وليس وفق تقديراته الإنسانية، التي عكست جهل الاحتلال الإسرائيلي بطبيعة شباب غزة وعنادهم، فكان التغول في دمهم يوم الجمعة عملاً إرهابياً، سيرتد على المحتلين عاجلاً أم آجلاً مزيداً من العنف والغضب. وإن قنص الشباب الفلسطيني على بعد 500 متر بشكل متعمد قد استفز البشر، ويثير غضب الشجر والحجر، وإن هذا الشعب الفلسطيني لا يخاف الموت، ولا يرتعب من القصف، ولا تزيده الجراح والسجون والعذابات إلا تمسكاً بحقه، وتصميماً على رد العدوان، وهذا ما تعد له المقاومة نفسها، وترتب له أمرها ليل نهار.
لقد جرب العدو الإسرائيلي نفسه، واختبر قدرته، ومارس قوته ضد غزة في ثلاث حروب، وكانت نتائجها الفشل، وجرب العدو الإسرائيلي نفسه في التجسس والعمل الاستخباري والتفجيرات، وباءت محاولاته بالفشل، وجرب العدو الإسرائيلي نفسه في مواجهة مسيرات العودة بالإرهاب المنظم، فقتل في يوم واحد أكثر من ستين فلسطينياً، وجرح المئات، وقتل في غضون سنة ونصف السنة أكثر من 300 فلسطيني، وجرح 18 ألفاً، ومع ذلك لم يجف عود مسيرات العودة، ولم تذبل أغصان المواجهة، ولم تهزم الإرادة الفلسطينية.
لم يبقَ أمام الاحتلال الإسرائيلي إلا طريق الوسطاء في التعامل مع قطاع غزة، طريق التهدئة طويلة الأمد، مقابل إنهاء حصار الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة بالكامل، وما دون ذلك فإن التصعيد في مسيرات العودة قد أضحى واجباً وطنياً، والاستعداد لجولات مفتوحة من المقاومة ضرورة تفرضها رغبة شباب غزة، وأزعم أن هذه رسالة غزة إلى المحتلين الصهاينة، وهي بكل تأكيد رسالة المقاومة الفلسطينية التي يجب أن تصل في موعدها ودون إبطاء.