فلسطين أون لاين

​المبادر والمبادرة

تختلف طبيعة البشر في طريقة تفاعلهم مع المجتمع، فمنهم من يكتفي أن يكون مواطنًا عاديًّا دون أي دور مجتمعي له، ومنهم من يجتهد لترك بصمة في المجتمع بتقديم المبادرات المفيدة، وقد تجلت تلك الفلسفة في القرآن الكريم حيث قال الله (عز وجل): "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)، فيا ترى ما معنى المبادر والمبادرة؟، وكيف يكون الإنسان مبادرًا؟

المبادر: هو شخصيأبى أن يعيش ليأكل، بل يجتهد للخروج من دائرة البقاء الصامت، إلى الفاعل المتحرك.

المبادرة: هي فكرة يطرحها شخص أو مؤسسة ما من أجل تعزيز مبدأ معين، أو معالجة خطأ ما.

وقد حثَّ الإسلام الإنسان على أن يكون صاحب مبادرة ورؤية واضحة في حياته، فورد في القرآن الكريم: "وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين"، هذا الرجل بادر لدعوة قومه لاتباع المرسلين.

ومن أعظم مبادرات الأنبياء مبادرة خليل الرحمن بتحطيم الأصنام وهجرته إلى ربه، وإكرام الضيوف، إلى مبادرات عظيمة في قصة موسى (عليه السلام)، ومنها سقيه الغنم للفتاتين، وما فتح الله عليه بسبب ذلك من خير عظيم.

ولم تخل السنة النبوية من الحث على المبادرة، فورد في حديث أبي هريرة (رضي الله عنه): "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"، أليست هذه دعوة للمبادرة إلى الصلاة؟، إنها كذلك.

أما مبادرات الصحابة فكثيرة، فمبادرات أبي بكر (رضي الله عنه) سارت بها الركبان كما في حديث "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟"، أما مبادرات عمر (رضي الله عنه) فهو أول من كتب تاريخ الهجرة، وأول من جمع الناس على التراويح، وأول من دوَّن الدواوين.

وانتقالًا من عصر الصحابة إلى العصر الحالي، فلا يزال الكثير من الناس يقدمون مبادرات إيجابية لخدمة المجتمع، ويسعدني أن أذكر "مبادرون من أجل رفح"، إذ اجتمع فريق من شباب رفح للتعاون والتشاور في كيفية خدمة رفح، وبدؤوا بالجانب الصحي بمبادرة بعنوان: "صيدلية عادل الخيرية"، تقوم على أن من يملك دواء لا يحتاج إليه فعليه أن يهبه للصيدلية، ومن يحتج إلى دواء فالصيدلية تعطيه إياه مجانًا، لو كان متوافرًا، والعمل على توفير الدعم لبناء مبنى في مستشفى أبو يوسف النجار يخدم رفح حتى بناء مستشفى يليق بتضحيات رفح وأهلها.

أختمُ بما يجب أن يعلمه الجميع: أن الإنسان بعد موته لن يتذكره أحد ما لم يترك بصمة في المجتمع، والمبادرة هي من أفضل ما يتركه الإنسان في المجتمع، فرب مبادرة تطرحها الآن تكون سببًا في إسعاد كثيرين.