وائل ووديع وملك.. ثلاثة أطفال قتلهم الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن أكبرهم أكمل ربيعه الثالث، ليكونوا ضحية الحواجز الإسرائيلية المنتشرة في أزقة وحارات البلدة القديمة في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية.
وتعود "حكاية الموت" للأطفال الثلاثة أبناء عائلة الرجبي، إلى الخامس من مارس/آذار الماضي، حيث شب حريق في منزلهم، ليتداعى أهالي حارة غيث إلى إطفائها، والاستغاثة بجهاز الدفاع المدني الفلسطيني للمساعدة في ذلك.
تلك الاستغاثة العاجلة، لم تكن كغيرها من النداءات الطارئة في العالم، إذ عرقل الاحتلال الإسرائيلي وصول سيارة الدفاع المدني الفلسطينية إلى بيت عائلة الرجبي 20 دقيقة، لتكن كفيلة بتحويل حياة الأسرة إلى "جحيم فوق جحيم" فرضه الاحتلال عليهم.
موقع حارة غيث المتميز وسط البلدة القديمة، لمدينة الخليل المحتلة، بمحاذاة المسجد الإبراهيمي، فرض عليها أن تكون في "سجن إسرائيلي" على أرض فلسطينية، لا تصل إليه إلا بالمرور عبر ثلاثة حواجز احتلالية وبوابات ونقاط تفتيش حديدية متعددة.
"حكاية الموت" يرويها لـصحيفة "فلسطين" الشاب يزيد الفاخوري، الذي كان شاهدًا حيًّا على موت الأطفال الثلاثة، محاولًا إنقاذهم بما توافر له ولشباب حارته من مقومات لا ترقى إلى مقومات الإغاثة الطارئة.
ورغم مرور خمسة أشهر على جريمة الاحتلال، لم تغِب عن مسامع الشاب صرخات الأطفال المؤلمة، التي حاول بكل إرادته وقف آلامهم، التي لم يلقِ لها بالًا جنود الاحتلال الإسرائيلي، منتظرين قدوم ضابطهم المسؤول لـ"يكون قاتلًا للأطفال معهم".
وعلى حاجز قرب حارة الجعبري، توقفت سيارة الإطفاء نحو 20 دقيقة، في حين كان في الجهة المقابلة منع جنود الاحتلال لشباب الحارة من مغادرة حارة غيث عبر حاجز 160، ليكون الحل القفز فوق الأسلاك الشائكة، محاولة منهم لإنقاذ روح الطفلة ملك وأشقائها.
ملك، التي حملها الشاب الفاخوري، روى أن قلبها كان ينبض حبًّا للحياة رغم اشتعال النيران في بيتها وأجزاء من جسدها، إلا أن جنود الاحتلال حرموها من تلك الحياة بإجراءاتهم العنصرية التي ما زالت مفروضة على البلدة القديمة بأكملها.
ورسمت علامات الحزن الشديد على وجه الشاب الفاخوري، الذي لم ينسَ تلك المشاهد، قائلًا: "الاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية كاملة عن استشهاد الأطفال الثلاثة".
واستشهد الأطفال الثلاثة تباعًا، بعدما تدهورت حالتهم الصحية الخطيرة، حيث حملت مؤسسات حقوقية جيش الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأطفال، موضحة أنه "كان بالإمكان إنقاذ حياة وائل (4 سنوات) ووديع (عامان ونصف) وملك (عام ونصف)".
وقالت جمعية حقوقية إسرائيلية غير حكومية في بيان لها، بعد تحقيقات أجرتها: إن "تأخير حاجز إسرائيلي لعربة إطفاء أدى إلى وفاة 3 أطفال اندلعت النيران في منزلهم في الخليل قبل 5 أشهر".
وأوضحت أن إيقاف رجال الإطفاء الفلسطينيين على حاجز احتلالي، أدى لعدم تمكنهم من إنقاذ أطفال عائلة الرجبي، الواقع بيتهم تحت سيطرة الاحتلال الأمنية والسيطرة المدنية الفلسطينية، مشيرة إلى أنها طلبت ردًّا على الحادث، ولكن تم تجاهل طلبها من الاحتلال.
وأكملت: "لا يوجد أي مبرر لتأخير مركبات الإنقاذ، ولا يمكن أن يكون كذلك، وإن المفهوم الأمني للاحتلال في الخليل، لا يتجاهل فقط احتياجات وحقوق السكان الفلسطينيين، ولكنه أيضًا لا يولي أي أهمية لحياتهم".
وعلى مدار 20 سنة، تدرجت سياسة الخنق الإسرائيلية بحق الحرم الإبراهيمي ومنطقته، وما فيها من بيوت أثرية ومدارس ورياض أطفال ومنازل للفلسطينيين، بتطويرها للمستوطنات وتكثيفها للحواجز العسكرية، التي تحتجز خلالها الأهالي وتحرم الأطفال وطلبة المدارس من الوصول إلى مدارسهم بسهولة.
وبقرارات حكومية احتلالية وعبر مخططات الجمعيات الاستيطانية، تحاول سلطات الاحتلال السيطرة على البلدة القديمة في الخليل بالكامل وأهم معالمها وأماكنها المقدسة والتاريخية أو منازلها ومحلاتها التجارية ورياض الأطفال والمدارس التعليمية.
ويبلغ عدد المستوطنات في محافظة الخليل نحو 30 مستوطنة؛ وأكثر من 25 بؤرة استيطانية، في حين تفرض سلطات الاحتلال إغلاقًا شاملًا على البلدة القديمة، وتصدر قرارات عسكرية تمنع دخول الزوار وغير السكان إليها.