فلسطين أون لاين

​تكمن المشكلة في القدرة على الرفض

...
بقلم / د. زهرة خدرج

(1)

"زوجي يفرض علي أن أذهب إلى زيارة بيت أخيه مرة كل أسبوع، مع أنني لا أشعر بأي احترام لي من جانبهم، بل أجدهم يستهزئون برأيي وذوقي، ويسخرون من سلوكيات أبنائي، ويعنف أطفالي في بيتهم لفظيًّا وجسديًّا، فأشعر بأني ضيفة ثقيلة عليهم.

يغضب زوجي جدًّا إن شكوت من تصرفاتهم معي، ويتهمني بأنني حساسة جدًّا وأريد أن أخلق المشاكل مع أهله وأقاربه، ويعنفني إن أبديت ملاحظات على أشياء لم تعجبني خلال زيارتي لهم، حاولت إقناعه بتقليل تلك الزيارات على الأقل، لكنه رفض نقاش الموضوع رفضًا باتًّا، فاضطررت إلى الانصياع لرغبته، اختصارًا للمشاكل، وحرصًا على استمرار حياتي الزوجية معه".

(2)

"زميلتي تأخذ دفتري وتنقل الواجبات التي أمضي يوميًّا ساعات عدة في دراستها وصياغة إجابتها وكتابتها، وتسابقني في تقديمها للمعلمة وكأنها هي صاحبة العمل لا أنا، وإذا رفضت فإنها تقاطعني، وتستهزئ بي، وتحرض بقية الزميلات على عدم التواصل معي، حتى في حصص الفن تفرض عليَّ أن أرسم لها في دفترها ما تطلبه المعلمة، وتنفيذ جميع الأعمال الفنية لي ولها في البيت وأحضرها لها في اليوم التالي، وتُحرم عليَّ أن أُبدي أي نوع من المعارضة.

أشعر دائمًا بالضيق لأنها تسرق جهدي وعلاماتي، وفي الوقت نفسه أرغب بالحفاظ على علاقة طيبة معها؛ فأنا لا صديقات لي في صفِّي، فأضطر إلى السكوت عن الموضوع وتلبية ما تطلب".

(3)

يطلب مني أعضاء "الشلة" دائمًا أن أفتح ورقة الامتحان لهم، لينقلوا الإجابات ليضمنوا نجاحهم، انتبه المعلم ذات مرة فعلم أن الإجابات منقولة من المصدر نفسه، رسبنا جميعًا في ذلك الامتحان، لم أتجرأ أن أخبر الأستاذ بالحقيقة، ولم أتجرأ أيضًا أن أرفض ما يطلبه مني الأصدقاء في مواقف مشابهة، وإن كنت أشعر بعدم الرضا تجاه ما يجري.

ليس هذا فقط، بل يضغطوا عليَّ أحيانًا ألا أذهب إلى المدرسة، لأرافقهم في رحلاتهم الخلوية التي نتناول فيها الإفطار معًا، وندخن، ونغني ونلهو حتى يحين وقت انتهاء الدوام، لنعود إلى بيوتنا، إذا أبديت أي معارضة لسلوكيات أصدقائي تلك؛ اتهموني بأنني جبان، ولست رجلًا، وأنني أخاف من والدي؛ فرغمًا عني أضطر إلى مجاراتهم فيما يقومون به؛ فأنا لست بأقل منهم.

(4)

أجتمع والجارات في صبيحة معظم الأيام في الحوش أمام البيوت، نتبادل الأحاديث وآخر أخبار الحارة، وآخر المستجدات على البيوت، ونحتسي القهوة، ونؤجل أعمالنا المنزلية حتى يعلي المؤذن صوته مناديًا إلى صلاة الظهر، لنعود مسرعاتٍ كلٌّ إلى بيتها لإعداد طعام الغداء وترتيب البيوت قبل أن يعود الأبناء من مدارسهم والأزواج من أعمالهم، الأمر الذي يضغطني لأنجز جميع أعمالي في وقت قصير ويجعلني مشدودة الأعصاب بقية اليوم. أشعر بأنني مقصرة في بيتي، ولكني لا أستطيع رفض دعوة جاراتي، فأعاني التهميش والتجاهل منهن.

(5)

كانت المرة الأولى لي التي أتعرف فيها إلى شاب على (فيس بوك)، كتب لي كثيرًا من الرسائل التي تفيض كلامًا جميلًا تتمنى كل فتاة أن تسمعه، أشبع روحي حبًّا وعواطف طالما حلمت بها، فإذا هو يجعلها حقيقة، حسبت فيها نفسي بطلة فيلم عاطفي ساحرة الجمال.

كنت أحذف رسائله بعد قراءتها مباشرة، حتى لا أترك ورائي أدلة قد يراها أحد من أهلي فتحل عليَّ كارثة تدمرني؛ فأهلي لا يفهمون عواطف واحتياجات الفتيات الصغيرات، ولا يؤمنون بالعواطف الرقيقة.

بعد عدة أشهر من علاقتي بمهند أخذ يلح عليَّ بأن أرسل له صورتي، فهو يريد أن يراني ليشبع عينيه برؤيتي، فكلماتي لم تعد وحدها تكفي، لم أستطع رفض طلبه، فأرسلت له إحدى صوري التي استمر عدة أيام يمتدحها، ثم طلب أخرى، وهكذا أخذت أبعث له الكثير من الصور يوميًّا، ثم أخذ يلح عليَّ بتشغيل دردشة مع (فيديو)، خفت كثيرًا من طلبه، فقد يسمعني أهلي أتحدث إليه، فأكون قد ورطت نفسي حينها.

فطلب مني بدلًا من ذلك لقاءه في حديقة عامة بمكان يبعد عن الأعين، وافقت بعد تردد لأنني أخاف أن أرفض له طلبًا فيذهب ويتركني وحيدة، وذهبت فعلًا، وكان يومًا لم أر أسعد منه في حياتي، ثم أخذ يلح عليَّ أن أذهب معه في رحلة قصيرة في السيارة، وفعلًا ذهبت يغلب عليَّ الاعتقاد بأنه يهيم حبًّا بي ولا يستطيع إيذائي أو التخلي عني، لكن رحلتي القصيرة انتهت بخيبة وخسارة، وقد اكتشفت حينها أنني كنت أجري وراء سراب حسبته ماء السعادة التي ستروي روحي، فإذا هو نار تحرق الأخضر واليابس وتتركني هشيمًا تذروه الرياح.

أخذت أتحمل وزر خيبتي وأنا ألوم نفسي: لماذا لم أرفض هذه العلاقة منذ البداية؟!، ندمت وقت لا ينفع الندم.