الأسير بسام السائح في مدفن الأحياء
عندما نسمع خبر نقل أسير من سجنه إلى مشفى الرملة لصعوبة حالته المرضية نعلم تمامًا أنه قد أصبح في حالة خطرة، ونعلم تمامًا أن هذا المشفى لا علاقة له بالمشافي إلا بالاسم، هو سجن مجهز ليكون مختبر تجارب ومجهزًا بكل أدوات القمع والقهر كما أن هناك دواء يصرف والمصدر واحد، فالذي يأتي المريض بحبة الدواء هو نفسه يأتيه بالهراوة والغاز والعصا المكهربة وكل أدوات القمع، فلا تتوقف معاناة الأسير وما على صدره من صنوف الضغط والألم النفسي على بوابة مشفى الرملة ولو حتى بعد حين وإنما تدخل معه ولا تنزل عن كاهله، بل ترافقه طيلة فترة العلاج المزعومة.
الأسير بسام السائح تم نقله إلى هذا الذي يسمى مشفى الرملة في إثر تشخيص حالته وتحديدها بأنه مصاب بسرطان الدم، وهنا ألف علامة استفهام تتحدد في جملة من الاستهدافات التي تضع أسيرنا عرضة للأمراض الخطيرة منها: ظروف الاعتقال غير الصحية من تهوية وتغذية وسجون قديمة قد نخرتها الرطوبة فعسقلان بناية قديمة من العهد البريطاني ومجمع سجن الرملة في منطقة تجمع مجاري اللد والرملة وتلك المنطقة، ومجمع نفحة ورمون في أقسى الأجواء الباردة شتويًّا والحارة صيفًا دون وجود ما يقي البرد أو الحر، وكذلك النقب وجلبوع وشطة، والتغذية يأتي متعهد الأكل بأسوأ ما في السوق من خضراوات تالفة يكسوها العفن ولحوم قد جمدت من عشرات السنين ودجاج لا يكاد أحد أن يحتمل رائحته عند إدخاله غرف السجن، والأدوية والعلاج حقل تجارب، ومماطلة وتأخير طويل في التشخيص فالمرض الذي يحتاج إلى أيام خارج السجن لتشخيصه قد يحتاج إلى عدة سنوات عندهم لمعرفة وتشخيص أسباب الألم.. فالشهيد الشاب يحيى الناطور وصل به الأمر إلى أن يشيعوا أنه يمثل عليهم وأن ألمه نفسي وليس جسديًّا حتى أتته المنية وهو عندهم في العيادة يطوي على نفسه ألمًا وكمدًا. والأسير المسن رزق العرير يتوفى بعد نجاح عملية قلبه المفتوح والتي صادف أن يقوم بها طبيب عربي، طمأنه على نجاح العملية ثم عندما عاد إلى الرملة مساء أخرجوه إلى العيادة ثم بعد دقائق طلبوا شرشفًا أبيض معلنين وفاته وكأنهم استكثروا عليه نجاح عملية قلبه، وكان ذلك نهاية حبسةٍ قطعت من عمره سبعًا وعشرين سنة، لم تُطِق نفوسهم أن يتركوا أنفاسه الأخيرة ليلفظها بين يدي أبنائه وأحفاده خارج السجن.
كل شهيد في السجن يحمل ملفًا ضخمًا من الإهمال المتعمد الذي يقود إلى الوفاة، معزوز دلال ومحمد أبو هدوان وجمعة الكيالي وميسرة أبو حمدية وجعفر عوض والقائمة طويلة، ولكن المشترك واحد هو القتل بدم بارد وعدم توفير العلاج المطلوب دون تلكؤ أو تأخير، كل مراحل العلاج تأخذ وقتا طويلا يسحق المريض في آلامه ويحوله إلى مرتع ومكان خصب لمضاعفة المرض ووصوله إلى حالة لا يرجى شفاؤها، كم من حالة وصلت عندهم مراحل خطيرة وبعد أن تحررت تم علاجها ووصولها إلى الشفاء التام، هم اعترفوا باستخدام الأسرى حقل تجارب لشركات الأدوية الإسرائيلية، ونحن ما زلنا نراوح مكاننا دون أن نتابع ولو حالة واحدة حتى النهاية، لا بد من محاكمتهم دوليًّا على هذه الجريمة المفتوحة التي طالت أسرانا جميعهم بشكل عام وأضرت بمئات بشكل مباشر ومريع أدت إلى استشهاد عدد كبير.
بسام السائح يدق ناقوس إجرامهم المفتوح من جديد.