الاستيطان على أبواب موسم الزيتون
د. خالد معالي
على أبواب موسم الزيتون، صار الاستيطان يسابق المزارعين الفلسطينيين في موسهم، والمزارعون يناشدون دخول أراضيهم خلف الجدار وقرب المستوطنات للتهيئة للموسم، والاحتلال ما زال يمنعهم إلا بحسب أمزجته.
معاناة الضفة الغربية لا تتوقف على مدار الساعة من الاستيطان والمستوطنين، قبل الموسم بأسابيع قليلة كما يجري هذه الأيام وخلال الموسم وبعده المستوطنون لا يتوانون عن المجاهرة ببلطجتهم وزعرنتهم، وتوسعة مستوطناتهم بتجريف ونهب المزيد من الأراضي، وحرق أشجار الزيتون وقصها وإتلافها، وسرقة ثمار الزيتون خلال الموسم، أمام العالم أجمع والكاميرات.
بدراسة أدبيات الحركة الصهيونية يتضح أن موضوع العزل والجدار والاستيطان هو من صميم الثقافة الصهيونية؛ وهذا يفسر إصرار "نتنياهو" على مواصلة الاستيطان، لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية، والتهام المزيد من الأصوات الانتخابية للمستوطنين، على حساب الفلسطينيين.
قبل انتخابات الاحتلال صعد المستوطنون من اعتداءاتهم، ويحولون حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق في كل الأوقات، فالاحتلال ومواصلة الاستيطان بنظرهم مريحان وغير مكلفين؛ ما دام لا يوجد رد عليهما، سوى بيانات الشجب الاستنكار.
على أبواب موسم الزيتون، ينتظر المزارعون ساعات طويلة على بوابات الجدار دون أن يسمح لهم الجنود بالدخول إلا في أوقات لا تكفي للعناية بالأرض وتهيئتها لقطف ثمار الزيتون المباركة، كل مزارع فلسطيني يعلم أنه المستهدف بالاقتلاع كشجرة زيتونه التي يرويها بدمه وعرقه، ولذلك رغم التفتيش وطول المعاناة يصر على عدم ترك أرضه نهبًا للمستوطنين الذين أتوا من مختلف أصقاع الدنيا.
يمكن القول إن الاستيطان حاليًّا قد أجهز على أي إمكانية فعلية لقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، تتمتع بالسيادة على أراضيها وذات وحدة جغرافية إقليمية وسكانية، وحدود واضحة معترف بها وتسيطر على أمنها، فضلًا عن تدمير أي إمكانية لوجود عمق تنموي وأمني وسكاني فلسطيني؛ فالموارد يستنزفها الاحتلال، والخسارة بمئات الملايين نتيجة سياسات الاحتلال الهادفة لطرد المزارعين.
لا أحد ينكر أن المستوطنات لها تأثير بالغ الخطورة على مجمل ما يحتويه المجتمع الفلسطيني من ثقافة، وتاريخ، وفكر، وعادات، وتقاليد، وشواهد أثرية وتاريخية تدل على عمق الحضارات وتنوعها على أرض فلسطين.
أمام الهجمة الاستيطانية غير المسبوقة إن المنطق يقول إنه يجب عدم ترك أي وسيلة ضغط على الاحتلال، على أن نجيد استخدامها في الوقت والزمان المناسبين، وكما نرى إن الاحتلال يتراجع على الرغم من جبروته وكذبه.
أوراق القوة كثيرة جدًّا لدى الشعب الفلسطيني، وإحدى تلك الأوراق هي سرعة المصالحة، وتعزيز الجبهة الداخلية، والكف عن توتير الساحة الفلسطينية، وهذا لا يكون بالتمني؛ بل بالعمل كالجسد الواحد، وباللغة التي يفهمها الاحتلال.
آن الأوان، بعد أن تبين بوضوح أن الاستيطان لا يدع فلسطينيًّا في حاله، ويقضي على أمل وطموح الدولة؛ أن يعمل الكل الفلسطيني لجعل الاحتلال يدفع فاتورة احتلاله، وجعلها مكلفة، وإلا فإنه سيطردنا غدًا مما تبقى من أراضينا ومنازلنا.