لا يعقل لمناسك الحج أن تكون مجرد طقوس تعبدية لا انعكاس لها في المظهر الاجتماعي والسياسي وثقافة الامة بشكل عام ، وقد طلب منا الله سبحانه تعظيمها " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " ، فالوصول إلى مدلولات شعائر الله كافة هو من باب تعظيم فهمنا لهذه الشعائر ، ومن هذا الباب أجتهد بتقديم قراءة سياسية لمناسك الحج :
فلباسنا مثلا ملابس الاحرام البيضاء هو اشارة واضحة بأنه لا يقبل منا أن نلبس السواد من الذل وقبول المهانة والاستسلام ، صبغة الله التي صبغ الله بها قلوبنا هي صبغة عزة وكرامة واستعلاء ، فانتم الاعلون قرار من العلي العزيز الجبار ، من أحرم ولبس البياض عليه ان لا يقبل باي حال من الاحوال أن يلبس او تلبس أمته لباس الجوع والفقر والتخلف والهزيمة والمذلة والمهانة ، هذه ألبسة لا يعرفها المؤمن ، انه البياض والحجة البيضاء ، النور والضياء والسيادة ، ومن هذه حاله فانه غير قابل ليكون في ذيل القافلة أو أن تسلب كرامته ويعتدى على حرماته ، فهل يعقل للامة التي تتجرد وفودها الحاجة بقلوب بيضاء طاهرة كلباسها أن ترى الاقصى تدنس جنباته كل يوم ثم تقف متفرجة مكتوفة الايدي وبنو صهيون يسومون القدس وفلسطين وأهلها سوء العذاب ، فرسالة ملابس الاحرام واضحة : تريدون حجا مبرورا تبرؤوا من كل ما يدنس بياض مقدساتكم او يعتدي على حرمات أعراضكم وكرامتكم ، لا يحق لمؤمن يرى حجاج بيت الله ببياض لباس تقواهم لله وفي نفس الوقت يلبسه الدّ اعداء الله لباس الذل والخنوع لغير الله، يدفعون الجزية لاعداء الامة ودولة الاحتلال عن يد وهم صاغرون مقابل حماية عروشهم الباغية على شعوبها.
لا بد وأن نبصر تماما وحجيجنا يطوفون بالكعبة المشرفة أن هناك دولا مسلطة على رقاب شعوبها تدور في الفلك الامريكي الذي يصبّ كل شروره على تدمير الاسلام ، ويدعم بكل ما أوتي من قوة دولة الاحتلال . هناك من يدورون بسياساتهم وكل أموالهم واقتصادهم وأفكارهم في فلك الشياطين إنسهم وجنّهم ، فرادى وجماعات وحكومات ، ويتركون فلك الرحمن ، لن يستقيم لنا الحج الا بالتحرر من كل دوران الا الدوران في فلك الرحمن . فالدوران للشعوب حول الافكار حياة بينما الدوران حول الاشخاص مرض والدوران حول الاشياء موت ووفاة .
لا بد وأن نحيي رابطة الاخوة في الاسلام ، هذا التجمع الروحي العظيم من كل شعوب الاسلام هو اعلان على اننا نشكل بالاسلام وحدة واحدة على هدف واحد هو اعلاء كلمة الله في الارض وضرب كلمة الشيطان ، لتجمعنا أخوتنا في الله ولنكون فريق عمل واحدا لنعلي كلمة الحق والعدل ولنحارب معا قوى الكفر والطغيان والذي يتمثل اليوم بما تقوم به أمريكا في المنطقة بما يسمى صفقة القرن ، انها محاولة بائسة للقضاء على اقدس قضية في العالم قضية فلسطين ، نحن وفود الامة من كل أصقاعها نعلن بأننا سنعود لنجسد هذه الروح : الوحدة والاخوة المباركة وتجميع كل جهد ممكن مع قضايانا وعلى راسها قضية فلسطين باذن الله . من هنا من البيت العتيق من المفترض اذا اردنا ان ننهل من معاني الحج العظيمة لا بد من تشيكل هيئة أمانة لمتابعة ما يخلص اليه مؤتمر الحج الاعظم من توصيات وقرارات .
لا بد وأن تكون وقفة عرفة كما هي استعداد شامل لكل أمة الاسلام بكل شعوبها وأطيافها ليوم يحشر فيه الناس عند ربهم فيرى الله صدق نواياهم وصدق اعمالهم تجاه قضاياهم. لا بد وأن يستعدوا للسؤال عن قضية المسلمين الاولى: قضية قدسهم واقصاهم اولى القبلتين وثالث الحرمين ، لا بد من أن يقف المسلمون وقفة صدق فيرى الله ماذا هم فاعلون ، هل سيمرون من هذا الوقوف العظيم دون أن يتخذوا قرارا بوقفة صدق مع قضية هي مركز قضاياهم ؟ مؤتمر عرفة يخرج بتوصيات الامة فما هي توصيته بخصوص القدس ، هل سيمر هذا المؤتمر العظيم مرور الكرام تجاه القدس وما يحدث فيها من جرائم الاحتلال ؟ هل سنستمع للتلبية لبيك اللهم لبيك فيما تريد منا بخصوص القدس ؟ أم سيكون لسان حال الحجيج هو لسان ملوكهم : لبيك يا امريكا لبيك نحن وقود لصفقة القرن, ان الخوف والرجاء والنعمة واستقرار العرش منك ولك لبيك امريكا لا شريك لك ؟؟ معاذ الله الا ان تكون التلبية صادقة خالصة متحررة من هذا الطغيان وهذا الافتراء على القدس وما يقوم به محور الشر الامريكي في قلب امتنا العظيمة .
لا بد وأن نركز حجارتنا عند رمي ابليس على هذا الابليس الجبان الذي اغتصب أرض فلسطين ، من هنا ، من فلسطين من لهيب المواجهة المفتوحة بين اهل الحق وجند الرحمن وبين ألد أعداء الله بني صهيون ومن باع نفسه له وللامريكان ، من هنا حيث كشفت المعركة عن ساقها واخرج الشيطان أنيابه وتجلى بكل كبريائه وفساده في الارض حيث تمثل هذه الايام فيما يسمى " اسرائيل " ، هذه اسرائيل ضربت الامة الاسلامية في قلبها فاصابت صميمه وقطّعت شرايينه ، اعتدت بكل وقاحة على المسجد الاقصى ، احتلت القدس وارض القدس فلسطين وعاثت فيها بكل فسادها ونفثت كل سمومها واحقادها ، نسمع مع اشراقة شمس كل صباح المزيد من العدوان والاستيطان والقتل والاعتقال ، لم يتركوا شرّاً الا مارسوه بأبشع صوره ، وصل بهم شرّهم أن يضربوا بكل قضّهم وقضيضهم أسرى لا يملكون سلاحا ولا عتادا ، أعملوا فيهم بطشهم وأسالوا دمهم ولعبت عصيهم الحديدية والكهربائية على رؤوسهم ، فتحوا فيها أخاديد وكسروا عظامهم ، إنها معركة الخسيس الجبان المارق الرعديد الخوّان . وهكذا يفعلون بتدمير الحياة وشن الحروب والعدوان بين حين وآن. هذه الروح الشيطانية التي تسري في عروقهم ويخرج منها كل هذا العدوان لا بد وأن نكرّس رميها بحجارة من سجيل قلوبنا المؤمنة بدل أن نسارع في التطبيع والقبول بهم سالمين غانمين في قلب أمتنا ارض القدس وفلسطين .
ولا بد من أن يكون يوم التضحية وذبح الهدي اعلانا بأن النحر واسالة الدماء لا تكون الا في طاعة الله وانه لا يجوز لانظمة أن تضحي بشعوبها وخيرة أبنائها في سياسة نافية لكل دعاة التحرر والاستقامة والخلاص من الفساد والاستعمار وهيمنة الطغاة . إنها دعوة لحقن الدماء وتعظيم حرمتها عند الله فأن يستبدل الله اسماعيل بكبش يذبحه ابراهيم عليه السلام هو دلالة عظيمة على أن تتوقف الامة ذبح بعضها بعض كما يحدث الان في سوريا وليبيا واليمن والعراق، دم المسلم على المسلم حرام كحرمة يوم الحج في البلد الحرام .
لا بد وأن نحيي من جديد الكلمة الخالدة التي قالها عمر بن الخطاب يوم الحج الاكبر ، يوم انتصرت العدالة على الظلم وفساد الحاكم وابن الحاكم ، يوم انتصر امير المؤمنين للمواطن القبطي على عنجهية لا يرضاها الاسلام للبشر ، فلا كبير ولا صغير امام عدالة الاسلام وبهذا تنتصر القيم ، والتي لا بد منها لتحقيق الانتصار على جبهة الاعداء ..ما احوجنا أن نردد كلمة عمر هذه الايام :"أيها الناس متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " ، متى وكيف ولماذا تستعبدون شعوبكم وتذللون رقابها للصهاينة والامريكان ، من وكلكم برقاب الناس ، من أعطاكم حكما لتخرجوا فيه عن حكم الله ، من استعبدكم لكي تستعبدوا بدوركم عباد الله ؟
الحج دعوة للتحرر ، دعوة لمواجهة الظلام وكل قوى الاستكبار والطغيان ، ان لم تطهر شعوبنا قلوبها (كما هو حال وفودها للحج) من كل أدران الجاهلية والتبعية والاستحمار كيف يكون حجنا مبرورا وسعينا مشكورا .
اعلم من هذه القراءة أنه سيقال : هذا حرف للحج عن مقاصده العظيمة وأن هناك من يريد اقحام السياسة في شعائر الحج ليفسد روحها ويعكر صفوهافي ظل الرعاية العظيمة التي يحظى بها ضيوف الرحمن . اياكم ان تستمعوا لصوت الشيطان .. حجوا واتموا مناسككم وانحروا هديكم وعودوا الى دياركم بسلام وامان واياكم ان يتاجر احد في عبادتكم ويدعي انه حريص على تحرير قدسكم ، عودوا الى دياركم آمنين وثقوا بأن للاقصى ربا يحميه ، رعاكم الله وسدد خطاكم وتقبل الله حجكم ...