"سيذكرني قومي إذا جد جدهم.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر"، أظلم يوم أمس قطاع غزة برحيل أحد الأقمار الذين قضوا حياتهم الطويلة في سبيل تحرير فلسطين، الشيخ أحمد نمر حمدان، الذي حمل معه ذوق الزمن الأوّل بصدقه وصفائه ومواقفه العظيمة، وأحد الذين تجسدت فيهم المبادئ.
ويعد الشيخ حمدان أحد القادة المؤسسين في حركة حماس، وأحد قادة الحركة الإسلامية في فلسطين.
النائب في المجلس التشريعي عن محافظة خان يونس د. يونس الأسطل، يروي لصحيفة "فلسطين" أبرز المحطات الجهادية والدعوية في حياة الشيخ حمدان بقوله: "عرفت الشيخ أحمد منذ كان مراقباً عاماً على لجنة مدرسة الشهيد عبد القادر الحسيني الإعدادية، ثم بدأت العلاقة تتوثق عندما أسندت إليه الخطابة في مسجد الرحمة عام 1978".
وعُرف الشيخ جماهيرياً باسم "أحمد نمر"، ويعد شيخ خان يونس وعَلَمها المشهود له بالثبات على المبادئ، والقوة في قول الحق، وهو صاحب الصوت الجهوري والحنجرة الثورية التي تركت بصمتها في جنائز الشهداء من الفصائل الفلسطينية كافة.
وأضاف الأسطل أن الشيخ حمدان كان له أثر كبير في نفوس الجماهير، بحكم أنه كان جريء في الدعوة وقوي الشخصية، ما جعل الناس يشدون الرحال إليه في كل جمعة لسماع خطبه.
ومن أبرز المواقف المهمة التي سجّلها الشيخ حمدان، أنه بعدما اعتقل ثماني مرات في سجون السلطة، رفض تسليم نفسه للاعتقال، رافعاً شعار "لا اعتقال بعد اليوم"، وكان حينها المقاومون من كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، يرابطون أمام بيته ليلاً، حيث لم تستطع السلطة في حينها الاقتراب من بيته لاعتقاله.
وترتب على موقفه هذا، إعلان تحرير منبر مسجد الرحمة بعد أن كانت السلطة قد "شمّعت" المنابر التابعة لحركة حماس بين عامي 1995 و2000، حين اندلعت الانتفاضة التي شجعت على إعادة تحرير منابر المساجد من القبضة الأمنية.
العمل الإنساني
وقد ولد الشيخ حمدان عام 1938، وهُجّر مع أهله من قرية بشيت قضاء مدينة الرملة المحتلة. وكان طالباً متفوقاً في دراسته الجامعية، ثم عمل مدرساً للغة العربية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، وبعد مضايقات وضغط من الاحتلال الإسرائيلي على الوكالة الأممية لفصله، تم نقله للعمل في الجانب الإنساني التابع للوكالة بعيداً عن ميدان التعليم وتربية الأجيال.
وبعد تقاعده انخرط في العمل الدعوي والاجتماعي، والعمل الطبي، حيث افتتح عيادته القرآنية لعلاج المواطنين، وكان له بصمة في الجانب الإنساني والخيري، حيث لم يقصر في أي فقير أو محروم أو أرملة أو مسكين، وكانت ثقة الناس به كبيرة جداً، لدرجة أن كبار التجار كانوا يعطونه صدقاتهم ليوزعها على الفقراء، حتى استحق لقب "صديق الفقراء والضعفاء".
رزق الغرابلي، أحد تلامذة الشيخ حمدان يروي محطات أخرى في حياة شيخه ومعلمه، بقوله لـ"فلسطين": "مما لا يعرفه كثير من الناس عن الشيخ أحمد نمر أنه كان مهتماً كثيراً بالقرآن، ففي أواسط التسعينيات كان يعقد جلسة لتعليم أحكام التلاوة، وكان يحضرها جمع غفير من الناس، وكانت مصورة، وكنت أصغر شبل أتعلم منه".
وكان الشيخ مفوّها، طلق اللسان، سليم العبارة، قوي الحجة، ثوري الفكر، وانبرى طيلة حياته الدعوية في الدعوة للتمسك بثوابت الدين وفلسطين التاريخية، وكانت خطبه تزرع في الناس الحماس وحب الأوطان، والثبات على المبادئ، وكره الأعداء، كما ركزت على فضح جرائم الاحتلال منذ نشأته، وفضح سياسات السلطة واتفاقيات العار وفي مقدمتها "أوسلو".
وكان يفتتحها بقوله: "هنا صوت الإسلام، صوت الكلمة الطيبة، صوت الفقه الميسور، صوت العبادة الخالصة لله من الشرك والانحراف، صوت الرؤية الواضحة لواقع المعاناة، صوت الرؤية الكاشفة لأعداء الله".
وعن حياته الجهادية فقد أُبعد الشيخ عام 1992 إلى مرج الزهور برفقة 415 من كوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وكان المتحدث باسم المبعدين.
كما أطلقت عليه جماهير خان يونس لقب "والد الشهداء والأسرى"، فقد اعتقل ابنه "منيب" في سجون الاحتلال نحو 10 سنوات، واستشهد ابنه "حسام" برصاصة قناص إسرائيلي، عدا عن مشاركته المقاومين في كل شيء ودعمهم بأفضل ماله، وتفقدهم في أماكن الرباط، كما أن خطبه كانت تحرّض على الجهاد وتذكر بفضل الرباط في سبيل الله، وكثيراً ما كان يذكر فيها الشيخ عز الدين القسام، والحاج أمين الحسيني، أبطال المعارك في فترة الانتداب البريطاني.
وتوقف الشيخ عن الخطابة واعتلاء المنابر قبل نحو ثلاث سنوات لاشتداد الأمراض عليه، كـ"الضغط" و"السكري"، فضلاً عن إصابته أكثر من مرة بجلطات دماغية أقعدته عن الحركة والكلام أحياناً، وانتهت بوفاته أمس عن عمر يناهز 81 عاماً، في مستشفى ناصر بخان يونس.