سياسة فرض العقوبات على بعض الدول والشعوب التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية، كوسيلة وطريقة لتأديب الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، وإجبارها على الإذعان ومحاولة تطويعها وإرغامها على الانحناء والسير تحت جناح الإدارة الأمريكية، أقل ما يقال فيها بأنها سياسة تدميرية إجرامية بامتياز من المفروض أن يعاقب عليها القانون الدولي، ومن الطريف أن بإمكان الولايات المتحدة قلب الحقائق وتغيير الواقع وتشويه الصورة النمطية لأي دولة في العالم وإلباسها الصبغة «المارقة» والسلوك الإرهابي ووضعها على القائمة السوداء وتعريضها لأشد العقوبات وأسوأ أنواع الحصار الاقتصادي الذي قد يتطور إلى قطيعة كاملة.
لا يمكن لأحد أن يتنبأ برد الفعل الأمريكي على سلوك وسياسة أي دولة في العالم، وحتى تنجوا الدول من العقوبات والحصار المختلف ألوانه والمتعددة أشكاله، يجب أن تتناغم سياساتها وسلوكياتها ونهجها مع الرغبة الأمريكية وينسجم معها، ودون ذلك فهي معرضة للعقوبات.
النظام الذي يصنف مشاكسًا وفقًا للتقييمات الأمريكية، فإن فرض العقوبات على شعبه وبلاده وارد جدًّا، وعليه أن يتهيأ له، وقد يكون أي موقف سياسي من قبيل رفع يد ممثل دولة معينة في مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة سببًا وجيهًا للإدارة الأمريكية لفرض العقوبات والحصار على تلك الدولة، وقد تكون زيارة زعيم دولة ما، لدولة أخرى لا تربطها علاقات ودية مع واشنطن سببًا في وقوع تلك الدولة في مصيدة العقوبات الأمريكية، وربما يودي تصريح صحفي لرئيس أو مسؤول في دولة معينة، باقتصاد ومستقبل تلك الدولة بسبب العقوبات الأمريكية، والأمثلة على ذلك كثيرة.
كرت العقوبات الأصفر الذي يتلون بسرعة إلى البرتقالي والأحمر، جاهز والنسخ منه تملأ جيوب الرئيس الأمريكي، يستطيع رفعه والتلويح به وتطبيقه وهو في أي مكان في العالم، على اعتبار أن العقوبات سلاح فعال جدًّا، وغير مكلف بالنسبة للولايات المتحدة، لكن هذا النوع من السلاح يعتبر الأكثر فتكًا وتدميرًا على المستويين الشعبي والإنساني، وإن كانت نتائجه تظهر ببطء، فهو تجويعي أولًا ويطيح بصحة الإنسان ثانيًا، ويؤثر سلبًا على جميع مناحي الحياة الأخرى، ويؤدي إلى تراجع مستويات المعيشة، لأن الفئة المستهدفة للعقوبات هي الشعوب قبل الأنظمة، من خلال زيادة الضغوط عليها لتحريضها ضد أنظمتها الحاكمة وتحفيزها إلى مناهضتها والثورة ضدها، وهي حسابات خاطئة في معظم الأحيان، وغالبًا ما تكون ردة الفعل الشعبية معادية للولايات المتحدة، وتتحول المواقف الشعبية إلى وطنية خالصة والتزام بالدفاع عن المصالح الوطنية والقومية وتزداد شعبية النظام وقوته مما يؤدي إلى فشل سياسة وأهداف العقوبات.
والأكثر غرابة في الموضوع، أن الولايات المتحدة تفرض في الغالب العقوبات على بعض الدول وتعاقب شعوبها بالتجويع والإفقار والعوز والحاجة والتجهيل والمرض، وغير ذلك من النتائج الكارثية الناجمة عن فرض العقوبات والحصار الاقتصادي، تحت ذريعة معاقبة النظام واحترام حقوق الإنسان، فهي تقتل ملايين البشر بالتمويت البطيء بحجة العمل على إنقاذهم، يا لها من مفارقة عجيبة!
كلما اصطدمت الولايات المتحدة، سياسيا أو تجاريا أو اقتصاديا أو عسكريا في سياق الحرب الباردة، مع دولة معينة تفرض عليها عقوبات تعتقد بأنها كفيلة لإجبارها على دخول الحظيرة الأمريكية، والانصياع لأوامرها وتوجيهاتها ومواقفها.
سياسة فرض العقوبات التي تتأثر بها الشعوب أكثر من الأنظمة الحاكمة، نهج أمريكي تدميري تخريبي يفتك بالإنسانية، وتعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، يجب التصدي لها دوليا وعدم المشاركة بها وحماية البشرية من شرورها.
الدستور الأردنية