إن خريطة القوى في الساحة الصهيونية ترسم مشهدا مختلفا عن التعامل السابق مع قطاع غزة وملف الجنود الصهاينة الأسرى لدى المقاومة لا يزال مؤرقاً لقادة الاحتلال، إن الشخصيات المؤثرة في السياسة الصهيونية حتى الآن غير معنية بتحقيق أي اختراق في هذا الجانب، واذا ما درسنا الواقع دراسة واعية أدركنا أن الاحتلال الصهيوني وفكره الديني والعسكري يحتم عليه العمل لاستعادة جنوده سواء كانوا أحياء أم أمواتا وان ما يحاول قادة الاحتلال فعله هو تقليل هذا الثمن لأقل حد ممكن وفي جانب آخر يحاولون استغلال ذلك سياسيا كإنجاز للحزب أو التيار الذي سينجح في اغلاق هذا الملف المزعج لهم قيادة وجبهة داخلية صهيونية.
أيام بالغة الصعوبة يمر بها قطاع غزة في ظل استمرار الحصار الصهيوني وجرائم جيش الاحتلال المتلاحقة بحق المدنيين المشاركين في مسيرات العودة.. ان الأحداث تدفع نحو المواجهة العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، والسكان في غزة أمام ضغوط في ظل استمرار حالة التدهور الاقتصادي بفعل الحصار الظالم مما شكل توجها رافضا لاستمرار الحال على ما هو عليه دون تغيير في ظل تجاهل الاحتلال للحقوق الفلسطينية وتهربه من تطبيق ما تسمى التفاهمات, الأمر الذي ينعكس سلبا على الحياة المعيشية المنهكة جراء التغول الصهيوني المستمر على الحجر والشجر والإنسان الأمر الذي يتحمل الاحتلال المسؤولية كاملة عن انعكاساته.
ان التهرب من رفع الحصار عن غزة يحمل صلات جوهرية بأي تصعيد قادم ما يجعل الهدوء على جبهة غزة هشا في ظل أن المقاومة تحمل لواء حماية شعبنا وفق اصرار وعزم لانتزاع الحق الوطني من المحتل، و في ظل سياسة المد والجزر التي يمارسها الاحتلال في تطبيق التفاهمات يبقى الحال قابلا للاشتعال في ظل التوجه الصهيوني اليميني ضد غزة.
هنالك عملية احلال وتحديث مستمرة للتكتيكات وأسلوب العمليات التي تتبعها المقاومة مما سينعكس ايجاباً على كوادرها من خلال رفع الكفاءة القتالية وهذا من الدروس المستفادة من الجولات العدوانية التي شنها الاحتلال الصهيوني، فلقد حققت المقاومة تطورات وعمليات كسر للحواجز النفسية لوهم الجيش الصهيوني الذي لا يقهر فكذبتهم المقاومة عملياً و أذاقتهم هزائم قاسية هشمت ردعه وانعكست على تراجع الروح المعنوية للجنود الصهاينة وحالات الانتحار داخل جيش الاحتلال ورفض جنوده الخدمة على حدود غزة، من هنا أعتقد أن الاحتلال الصهيوني وقيادته السياسية سيقفون طويلا قبل الاقدام على أي عملية عسكرية واسعة ضد غزة لأن الفكر العسكري الصهيوني قائم على نقل المعركة الى داخل أرض العدو, الأمر الذي لم يعد ممكنا الآن بشكل كامل مما يجعل الجبهة الداخلية الصهيونية هشة ومردوعة رغم المظاهر الخارجية والدعاية الانتخابية بأن الحزب الأول يريد تدمير غزة والحزب الثاني يريد القضاء على المقاومة, كل هذا ما هو الا دعاية لن ترتقي للواقع بشيء لأن الرد من المقاومة في حال تهور الاحتلال سيكون عظيم الأثر وهو ما ستدركه أعين الاحتلال واقعاً ملموساً في أي مغامرة غبية قد تقدم عليها القيادة الصهيونية، وان التصعيد مع العدو الصهيوني أمر وارد في أي لحظة لأن ما بيننا وبين الاحتلال هو عداء ناجم عن احتلاله لأرضنا ولكن ما أعتقده أن التصعيد مع جيش الاحتلال مسألة لها حساباتها الكثيرة وربما تكون جولة تصعيد ولكننا بعيدون عن حرب كبرى بالمعنى الشامل الذي يروج له الاحتلال.
ولأن المقاومة اليوم تعيش حالة تكامل بينها وبين الشعب الذي يحمي مقاومته؛ مقاومة تدافع عن شعبها فشكلت بذلك مساراً فريداً في بناء مقدراتها وإعادة صياغة طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني وبفلسفتها النابعة من إيمانها الديني نجحت، ولقد عايشنا ذلك واقعاً نحياه بوضوح وبأشكال متعددة عسكرياً وأمنياً وهنالك المزيد، عاجلاً أم آجلاً سيرى العالم البطولات التي سطرت بدماء الشهداء معالم للنصر وسيبقى الايمان بالمشروع التحرري جانباً مشرقاً في فكر المقاومة.