"الحاج أبو أيمن الساعاتي والدكتور سامي أبو ضلفة وأستاذ الأدب أبو أيمن عبد الباري والتاجر أبو عدلي كساب.. وغيرهم"، أولئك مسنون غزيون تباينت ألقابهم وكذلك أعمارهم ولكنهم تقاربوا في مواعيد نهوضهم من فراشهم لتأدية صلاة الفجر جماعة في مسجد الحي الذي يقطنون فيه غربي مدينة غزة.
منذ 11 عامًا
وداخل مسجد "الأمين محمد"، المُشيد حاليا، اضطرارا، من مواد بلاستيكية أشبه بـ"الدفيئات الزراعية" بعدما قُصف في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، صيف 2014، يجتمعون لأداء الصلاة ثم الجلوس في حلقة لتدارس علوم القرآن وأحكامه، وذلك عهدهم منذ 11 عاما.
وقبيل عام 2008 بسنوات قليلة تشكلت النواة الأولى للجلسة عندما كان المهندس نزار الوحيدي يطوف حول المساجد القريبة من منطقة سكنه لتعليم بعض أصدقائه التجويد وتلاوة القرآن، ولاحقا تضاعفت أعداد المنتسبين، حبا وطواعية، للجلسة ليصل العدد لقرابة 30 مسنا.
ويقول الوحيدي: إن "جلسة القرآن بعد أداء صلاة الفجر ممتدة منذ أكثر من عشر سنوات، لم تنقطع خلالها سوى أيام الحروب والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وقد تمكنا منذ ذلك الوقت من ختم قراءة القرآن الكريم 46 مرة بشكل متتابع".
وعن دوافع تنظيم الجلسة الدورية، يضيف الوحيدي لـ"فلسطين": "ما قبل الانطلاقة الرئيسية للجلسة عام 2008، لاحظت أن التركيز ينصب غالبا على فئتي الصغار والشباب، دون إعطاء شريحة كبار السن الاهتمام الكافي، رغم اتساع الرقعة العددية لها داخل الحي، ومن هنا كانت البداية".
ويتدارس المسنون فيما بينهم أحكام التلاوة برواية حفص عن عاصم على الطريق الشاطبية وبرواية ورش عن نافع وكذلك يتعلمون تفسير القرآن، والوقوف على المدلولات الفكرية للآيات مع ربطها بواقع الحياة، وأخيرا بدأت مرحلة تفسير الحديث النبوي الشريف.
تميز فريد
ولم يثنِ المتعلمين لكتاب لله انخفاض دراجة الحرارة داخل مسجد الأمين محمد خلال فصل الشتاء عن الاستمرار في حضور الجلسة، في الوقت الذي بلغ به عدد المتخرجين من حلقة العلم نحو 200 مسن تتراوح أعمارهم ما بين 60 عاما و75 عاما، بجانب بضعة شباب.
وعلى ذلك يعلق الوحيدي: "في بعض الأيام تنخفض دراجات الحرارة إلى 4 أو 3 درجات مئوية، وكذلك قد تتسلل مياه الأمطار إلى حوض المسجد، ورغم تلك الظروف غير العادية يلتزم جمع المسنون بالحضور، وتنفيذ ما هو مخطط له يوميا، ويبقون في المسجد حتى طلوع الشمس وأداء ركعتي الضحى".
وفي حديثنا مع الحاج الستيني رجائي الحلو، يبين أن رواد الجلسة الدورية ينضمون بين الحين والآخر لرحلات ترفيهية وجلسات سمر، وكذلك يخضع بعض المسنين لجلسات محو أمية خلال ساعات المساء داخل المسجد.
ويشعر الحلو بالسعادة لمواظبته على حضور الجلسة وعدم التغيب عنها منذ سنوات طويلة إلا لظروف قاهرة، موضحا أن الجلسة تتميز بالجمع بين مستويات علمية وحياتية مختلفة، من طبيب إلى مهندس وتاجر إلى بائع ومعلم وموظف حكومي، وذلك الإثراء أفرز أنشطة جانبية أخرى كجلسات لمحو الأمية.
وحول لحظة قصف مسجد الأمين محمد قبل نحو ثلاث سنوات ومدى تأثير ذلك على الجلسة، يقول: "للوهلة الأولى أصابتنا الخشية من توقف مسيرة الجلسة، أو تراجع عدد الملتحقين بها، ولكن سرعان ما ذهب ذلك الخوف بعدما عدنا لإحياء الحلقة الصباحية فور بناء المسجد المؤقت من الدفيئات البلاستيكية والنايلون".
وعلى وقع انخفاض درجات الحرارة إلى قرابة الصفر أحيانا يضطر المسنون إلى اصطحاب بطانيات قماشية معهم لاكتساب بعض الدفء، وذلك على أمل الانتهاء من إعادة إعمار وبناء المسجد الذي تعرض لقصف إسرائيلي مباشر خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 51 يوما.
يُذكر أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التركية تعهدت بإعادة بناء كافة المساجد التي دمرها الاحتلال في الحرب الأخيرة، سواء بشكل كلي أو جزئي، بالإضافة إلى ترميم 34 مسجدا دمرت خلال الحربين السابقتين (2009-2012)، بتكلفة إجمالية تصل إلى نحو خمسين مليون دولار.