يتلاعب إعلام الاحتلال بالحرب النفسية، ويتقن بامتياز فن قلب الحقائق، ويصور كيان الاحتلال أنه دولة لا يشق لها غبار، وأنه ينتصر في كل الحروب، ولا يمكن هزيمته، وأن جيشه لا يقهر، وأنه الأكثر أخلاقية من بين جيوش العالم قاطبة، وهو عكس الحقيقة تمامًا، وإليكم المؤشرات.
انظر إلى مؤشرات الهزيمة النفسية لكيان الاحتلال، وخوفه من رجل فلسطيني واحد، وهو يحيى السنوار، وكيف أن إعلامه منشغل منذ أيام بتحليل نفسية وعقلية وطريقة تفكير السنوار منذ انتخابه لقيادة حماس: هل سيهجم عليهم مع عشرات آلاف القساميين، الواحد منهم يساوي ألفًا، أم أنه سيعقد صفقة أسرى، يتبعها بهدنة لعشرات السنين؟
الكيان العبري لم ينتصر في حروب، فلم تحصل حرب حقيقية، وإنما انتصر في جولات من داخل حلبة الصراع والقتال لإثبات القوة والغطرسة، وانهزم في جولات أيضًا، فانسحب من جنوب لبنان، وانسحب ذليلًا من غزة، وهدمت 20 مستوطنة قال عنها شارون: "إنها مثل (تل أبيب)"، وهو بانتظار أن يتقلص أكثر وأكثر نحو الاندثار، لأن ما بني على باطل فهو باطل، وبأسرع مما يتصوره بعض.
لم يأت الفلسطينيون من دول العالم كافة، ويجمعوا أنفسهم، ليحتلوا أرض شعب آخر، ويمارسوا الجرائم بحقه من قتل وطرد وتهجير وسرقة أراضٍ، بل جاء يهود، تشبعوا بالفكر الصهيوني من دول العالم كافة واحتلوا الأرض الفلسطينية، والقوي لا تدوم قوته، ومن ظلم عليه أن يدفع ثمن ظلمه عاجلًا أو آجلًا.
المسئول هنا عن القتل، والقتل المتبادل هو حكومة "نتنياهو" التي لا تريد أن تعترف بالحقوق الفلسطينية، وراحت تشرعن الاستيطان، وتنهي حلم الدولة الفلسطينية، وتريد ضم الضفة لتزداد طروحات قادة من الاحتلال بأن وطن الفلسطينيين ودولتهم هو الأردن، ولو أنصت "نتنياهو" لصوت العقل والحكمة _وما هو بفاعل_ لتوقف عن ظلم الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه.
"إيتان هابر" كتب في صحيفة (يديعوت) العبرية يقول: "إن انتفاضة القدس على تواضعها مقارنة بانتفاضة الأقصى خطرة علينا أكثر من سابقتيها، لأنها ملقاة على عاتق الشبيبة الفلسطينية المحبطة والسئمة، هم _على ما يبدو من ناحيتنا_ جيل ضائع، وهم سيكبرون مع الكراهية والسكاكين، وسيجعلون أيام صباهم أسطورة فلسطينية".
يكذب قادة الاحتلال عندما يقولون: "إن مشكلة الشعب الفلسطيني لا تتعلق بحرية وكرامة شعب، بل ضيق اقتصادي ويأس وبطالة"، كما يحاولون أن يروجوا ويوهموا الرأي العام المحلي والدولي، مكرًا ودهاء.
قتل عائلات بأكملها كما جرى في غزة خلال الحروب الثلاث العدوانية التي شنت على القطاع لم يثنِ غزة عن سلاح المقاومة، وكشف وفضح زيف رواية الاحتلال أنه جيش لا يقهر والأكثر أخلاقية، وإلا فما معنى قتل عائلات من سبعة وعشرة أفراد دفعة واحدة؟!
لا يعشق الشعب الفلسطيني القتل والذبح والطعن، ولا يحبه ولا يريده، وإنما يعشق الحياة، ولكن قسوة وبطش وإجرام جنود الاحتلال جعلت الشباب الفلسطينيين لا يجدون وسيلة أخرى يدافعون بها عن شعبهم وأنفسهم، ومن يدافع عن نفسه ليس كمن يهاجم ويظلم ويحتل.
المحصلة والنتيجة النهائية: منذ زمن بدأ العد العكسي وتآكل كيان الاحتلال، وسينتهي باعتراف مفكرين من داخله، كون ما أقيم على باطل لا توجد له جذور راسخة وقوية، بل مهزوزة وضعيفة، تنهار مع أول جولة اختبار حقيقية، لكن حتى ذلك الوقت يبقى السؤال: أين نحن الفلسطينيين من وحدة المصير والهدف والعدو المشترك؟!